ثقافة قضايا اجتماعية

عايش الجاسر.. رجل يفيض قلبه حبا

بقلم: حسن فياض

رجل من أولئك الرجال الذين عايشوا النكبة ، ذاق مرارة الأقتلاع ، ذل اللجوء في العراء ، والخيام.

واجه ذئاب الجوع ، ومنعها من أن تنهش بأبيه وأمه ، زوجته وأبناءه الخمسة.

عمل في قلع السوس ، تكسير الحجارة، العتالة.وما لايخطر بالبال من أعمال شاقة.

كان همه من كل هذه الدنيا ُحسنْ تربية الأبناء ، إكمال تعليمهم ،وحج بيت الله الحرام .

رجل يفيض قلبه حبا ، تكسوه المهابة والحياء.

لاتتعدى شهرته أقاربه ، وأهل مخيمه ، اوقعه المرض وعندما أحس بدنو أجله أرسل في طلب أبناءه كانت وصاياه الأخيرة لهم الوفاء بحقوق الله ، الجار، صلة الرحم ،.وتسديد مبلغ (خمسين ليرة سورية )لجارهم البقال.

الهمه الرب نطق الشهادة قبل غرغرته الأخيرة.

عصام يحتل الترتيب الثاني بين أبناءه كان أكثرهم قربا منه ، عاطفي، حنون، صاحب ظل خفيف وروح مرحة يشارك الجميع في مختلف المناسبات.

ذلك الوقت كانت قناة الجزيرة، والعربية أوج ذروتهما في الشهرة والمتابعة.

شُيع عايش الجاسر إلى مثواه الأخير، نصبت خيمة العزاء لاستقبال المُعزين على مدار ثلاثة أيام .

وعصام في مقدمة المستقبلين.

في اليوم الثالث (الختمة)توزع أجزاء القرأن الكريم على المتواجدين ويختم بها لروح المرحوم.

(خلف )صديق حميم لعصام وصاحب روح مرحة أيضا، لم يحضر التشييع ولا يومي العزاء ،شعر بذلك عصام تقابلا ولم يتصافحا ،يفهمان على بعضهم بالنظرات، في الوقت المُعزين خاشعين بالتلاوة.

أحس خلف بنظرات الحزن والعتب الشديدين في عيني صديقه لم يتحمل ويتمالك نفسه صاح بأعلى صوته:

(يا أخي والله كنت أتابع قناة الجزيرة والعربية ما حدا منهم اورد خبر الوفاة ) ولم يقل له انني كنت خارج البلد وهو كذلك حقا. ضحكات مخنوقة لا يمكن وقف انفجارها من المعزين.

لحظات معدودة ويطل أخوين أصدقاء لعصام ومعهم شخص ثالث لم يسبق لعصام معرفته من قبل، يرتدي ربطة عنق وطقم رسمي ويحمل بيده حقيبة سوداء، تقدمهم (عبد الأخ الأكبر) ولا يعلم ماحدث قبل وصوله قائلا لعصام بصوت مسموع:

-أين أخوتك..؟

-خير إنشاء الله بالأول عرفنا على الضيف الذي معك ؟

-هذا كاتب عدل احضرته حتى لايختلف أحدكم مع اخوته على نصيبه من الميراث …….!!!!!!

(اللوحة للرسام الفلسطيني سليمان العلي )