سياسة

ستبقى درعا عصية على الكسر والتطويع

بقلم: د. أحمد خليل الحمادي

النظام الطائفي المجرم في سورية، سعى منذ بداية الثورة لإخمادها و القضاء عليها بمختلف الوسائل والسبل ولم ولن يتمكن من ذلك، و يسعى منذ عام 2018 للسيطرة على درعا مهد الثورة التي بقيت عصية عليه وعلى حلفائه، رغم فرض التسوية الجبرية من قبل روسيا وإيران بدعم إقليمي، فحالة رفض تواجد النظام عامة بين الجميع وفي المناطق التي سيطر عليها بعد استهدافاته المتوالية بقي وجوده فيه شكلي اسمي وبقيت المناطق فعليا خارجه عن سيطرته والدليل على ذلك الاستهدافات المتكررة لميليشياته وقواه العسكرية والأمنية..

ولذلك لم يجد النظام من وسيلة لضرب الجنوب إلا بوصمة وصبغه بالتطرف عبر خلايا تابعة لتنظيم الدولة الإرهابي ظاهريا وتابعة له عمليا ، فهو الذي أشرف على نقلها من جنوب دمشق إلى الجنوب السوري لضرب السويداء في السابق، وهو الذي نقلهم من القلمون إلى حوض اليرموك وبالطائرات المروحية لقيادتهم ، وهو الذي نقلهم من حوض اليرموك في الريف الغربي لمحافظة درعا إلى شرقي السويداء ، وهو يكرر ذلك حاليا في درعا و غيرها من خلال إيهام الرأي العام المحلي والدولي بأن الثورة أنتهت و تم القضاء عليها و لم يبق إلا الإرهابيين الذين يحاول القضاء عليهم جاهدا.

ويأتي في هذا السياق إطلاقه لسراح عشرات العناصر التابعين لجيش خالد الموالي لتنظيم الدولة ودسهم وسط المجتمع في المدن والبلدات التي بقيت خارجة عن سيطرته ، فلماذا يطلق سراح هؤلاء بينما مازال يعتقل مئات الآلاف من الثوار و الأحرار و ربما يكون اعتقالهم بسبب منشور فيسبوكي أو المشاركة في مظاهرة سلمية أو عبر عن رأيه عما جرى في سورية أو حتى من كان في عداد الجيش الحر ؟ تساؤلات تثير الشكوك عن خبث نوايا النظام بالإفراج عن هؤلاء لتنفيذ مخطط أمني ما رسمه و يسعى لتحقيقه من خلال هؤلاء !!!.

فعلى سبيل المثال: أطلقت عدة فصائل محلية قبل أيام معركة لاجتثاث عناصر التنظيم في مدينة جاسم” شمالي محافظة درعا ، وبالفعل نجحوا في ذلك وحدهم دون دعم من النظام وميليشياته، وأثبت التحقيق مع قيادات التنظيم الذين تم إلقاء القبض عليهم بأن هناك ارتباط مباشر بينهم وبين رئيس فرع الأمن العسكري في درعا والسويداء العميد لؤي العلي، و لقد تم نشر  مقطعا مصورا للقيادي في تنظيم الدولة “رأفت الصلخدي”، الذي اعتقل خلال الحملة التي نفذتها الفصائل المحلية في مدينة “جاسم”، أعترف في الفيديو المسجل تورطه مع رئيس فرع الأمن العسكري  في التخطيط لعمليات اغتيال وتنفيذها ضد معارضين في المدينة و بناءا على طلب لؤي العلي و توجيهه.

ولنفرض جدلا كما يقول البعض بأن هناك بقايا كحالات فردية لداعش ولا أظن ذلك لأن بيئة حوران عامة و درعا بشكل خاص بيئة غير حاضنة و طاردة  لداعش و فكرها و هي بيئة معادية لكل تطرف و إرهاب قامت بالثورة لتحقيق حرية و كرامة الجميع و الحرية و الكرامة لن تحقق إلا بتحقيقها للجميع و ليس بفكر إقصائي ظلامي.

وبالنسبة لما جرى ويجري في درعا البلد ومحيطها بالأيام الماضية، التفجير الذي حدث في مضافة الأبازيد بدرعا البلد لم يستهدف أي جماعة ذات صبغة قتالية، فمن استهدفوا كما يقال: ( لا لهم بالعير ولا بالنفير ) أي ليسوا من حملة السلاح و مستخدميه بل هم مدنيون كانوا مدعوين لدى صاحب المضافة غسان الأكرم أبازيد للسهرة و تناول أكلة شعبية حورانية ( اللزاقيات ) من أولاد العمومة وبعض الاصدقاء، وحدث للأسف التفجير الذي راح ضحيته أربعة شهداء وعدة جرحى بحالات متفاوتة الخطورة، أما الفاعل كما قيل بأنه انتحاري ويقول البعض بأنه فعل فعلته الإجرامية تحت تأثير المخدرات كما يروى، أما من يقف وراء ذلك غير معروف بالضبط من هو ومن المخطط لذلك..

 ولكن علينا أن لا نستبعد أذرع أجهزة  النظام الطائفي القاتل المجرم الأمنية وأدواته المنفذة فهو المستفيد الأول من تفجير الأوضاع في درعا البلد، وأنعكس ذلك مباشرة على شكل حملة أمنية تقوم بها بعض الميليشيات التابعة له على محيط درعا البلد على تخومها الشمالية الشرقية في المخيم و طريق السد، لاستهدافهما و خاصة بأنهما مازالا عاصيان و خارج سيطرة النظام ولم يصالحا ولم يجريا تسوية بل كانا ضد المصالحة والتسوية علنا.

ولنفرض جدلا  بأن التنظيم موجود وهو ليس كذلك مع عدم نفي وجود لحالات فردية  فإن النظام لن يشارك في أي عملية ضده على الإطلاق فوجودهم يخدم مصالحه، حتى وإن تواجد عناصر يتبعون للواء الثامن فهم بالنهاية كانوا في السابق عناصر يتبعون للجيش الحر و لهم شعبيتهم على الرغم من تغير تابعيتهم ولكن عملهم الحالي هو وفق ممولهم وداعمهم اللوجستي الذي هو فرع الأمن العسكري، وأتوقع تواجدهم في معركة طريق السد هو للمحافظة على شيء من الدعم الشعبي لما سيجري وخاصة مع تأجج الحمية بعد ما جرى من إهدار دماء الأبرياء في مضافة درعا البلد.

 وهناك لا بد من مراعاة بأن النظام لن يبالي بذلك بل سيستغله لتعزيز نفوذه و سيطرته مع هدر دماء أبناء المحافظة من خلال الاقتتال البيني بين من هم ضده حاليا جهارا نهارا و بين من كانوا ضده و استطاع تجيشيهم حاليا معه في المجموعات الأمنية ، فكما يقول المثل الحوراني : ( من دهنه سقيلوا ) أي لن يخسر النظام في هذا الاقتتال أي شيء بل سيعزز نفوذه و سيطرته.

لذا فأي اقتتال بيني قد يثيره و يشعل نيرانه النظام و هو من سيحصد نتيجته بأضعاف القوى الثورية و إنهاكها بهذا الاقتتال و ذلك لمصلحته.

أما بالنسبة للأعمال الثورية في محافظة درعا خاصة و الجنوب عموما لن تنتهي و لن يقضى عليها مادام هناك أحرار و ثوار ضد النظام الطائفي القاتل المجرم ، و الثورة لن تخمد و تنتهي حتى تتمكن من تحقيق أهدافها و الخلاص من العصابة الحاكمة القاتلة المجرمة.

وأما بالنسبة لإمكانية حدوث اقتتال عشائري في درعا البلد فإن درعا البلد كمجتمع محلي مجتمع متماسك وقوي ولن ينجر لاي اقتتال عشائري و خاصة الروابط الاجتماعية قوية و متينة قائمة على القرابة و النسب و الجيرة والصداقة وإن شذ بعض الأفراد عن ذلك يبقى ما يجمع مجتمعنا في درعا البلد أكثر بكثير مما يفرق، فالحزن يصيب الجميع و الفرح للجميع.. ولولا ذلك لما صمد هذا المجتمع كل هذه السنوات الطويلة، وهو يواجه الحديد و النار و الدسائس والفتن.

حماك الله درعا مما يحاك لك و من الفتن… ونتمنى من الأهل لملمة جراحاتهم و حل الخلافات بما يؤدي لاعطاء كل ذي حق حقه.. والاقتصاص من المجرمين بعد التحقق ممن وقف وراء التفجير في مضافة درعا البلد.والوصول لكل مرضي للجميع.