قضايا اجتماعية

دبلوماسي باكستاني سابق يكشف كواليس جلسة مجلس الأمن و”كذبة” أمريكا لغزو العراق

يصادف اليوم ذكرى الجلسة الشهيرة التي عقدها مجلس الأمن الدولي في 5 شباط/فبراير 2003 حين قدمت واشنطن أمام المجلس ملفاً تشير فيه إلى وجود أسلحة دمار شامل في العراق، لتمهد بذلك لخطوتها بغزو العراق.

ويستذكر وزير الخارجية الباكستاني السابق خورشيد محمود قاصوري، في تصريحات لـ “سبوتنيك”، تجربته كممثل باكستان في تلك الجلسة لمناقشة امتلاك العراق لأسلحة الدمار الشامل، مشددا على أن واشنطن تبنت سياسة الإجراءات الأحادية لغزو العراق وهو الأمر الذي عاد عليها بالضرر.

وحول مواقف الدول الأعضاء في مجلس الأمن، أفاد قاصوري أنه كان من الواضح للإدارة الأمريكية آنذاك أنها لم تتمكن من نيل دعم المجلس في الملف العراقي، قائلاً “أعتقد أنهم توصلوا إلى استنتاج مفاده أنهم لن يواجهوا فقط عضوين دائمين، روسيا وفرنسا، وإمكانية استخدام حق النقض، ولكن أيضًا أنهم قد لا يتمكنون حتى من الحصول على تسعة أصوات”، مضيفاً: “أعتقد أنهم كانوا يعلمون في جوهرهم أنهم لن يحصلوا على هذا الدعم”.

وواصل الدبلوماسي السابق حديثه بالتشديد على عزم الولايات المتحدة على غزو العراق، وذلك بغض النظر عن الدعم من قبل مجلس الأمن، قائلاً: “فقد قررت الولايات المتحدة بالفعل أنه سواء حصلت على دعم مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة أم لا، فإنها ستدخل، وأعتقد أنه كان هناك تحالف من 13 إلى 14 دولة، الوحيدة المهمة التي أتذكرها ربما كانت المملكة المتحدة وربما أستراليا. كانت الدول الأخرى دولاً صغيرة كانت بمثابة دعم رمزي لأعمال الولايات المتحدة”.

أما فيما يخص تداعيات سياسة الإجراءات الأحادية التي مارستها الولايات المتحدة مع تجاوز مجلس الأمن في الملف العراقي، أفاد الدبلوماسي السابق أنه “كان هناك رد فعل هائل، وأعتقد أن سمعة أميركا عانت بشدة من ذلك؛ في البداية كانت هناك أفغانستان، ثم كان هناك العراق، وقد أحدث ذلك في الواقع تأثيرًا سلبيًا للغاية على الولايات المتحدة”.

وأشار إلى انحدار الثقة في السياسة الأميركية جراء الغزو، مؤكداً أن “كل من هذه الغزوات لم تؤتي ثمارها على الإطلاق، وتسببت في خسائر فادحة لأميركا في السمعة والمال، وبالطبع خسائر فادحة في البلدان التي استهدفتها الغزوات”.

كما تطرق قاصوري إلى موضوع عدم الاتساق داخل الإدارة الأمريكية عشية غزو العراق، قائلاً “في محادثاتي مع الوزيرين رامسفيلد وباول، كان هناك اختلاف كبير في لهجتهم عندما كانوا يتحدثون معي في نفس الوقت بالضبط، وهذا يجعلني أشعر أنه لم يكن هناك إجماع”.

كما شرح انطباعه عن الأعمال الداخلية في الإدارة الأمريكية آنذاك، قائلاً “من الواضح أنه لا بد أن هناك فريق أقوى من شأنه أن يؤثر على الرئيس جورج بوش أكثر مما يستطيع الآخرون. وكان هذا هو الحال دائما في الولايات المتحدة، وليست مسألة حزبين سياسيين فحسب؛ هناك قوى مختلفة داخل الأحزاب”.

وواصل قاصوري حديثه في هذا الصدد بذكر الاختلاف ما بن وزير الدفاع الأمريكي دونالد رامسفيلد ووزير الخارجية كولين باول، واصفاً أسلوب الأخير بالـ “أكثر عقلانية بشأن هذه المسألة”، أما رامسفيلد، فكان بحسب الدبلوماسي السابق “صعبًا وواضحًا للغاية في آرائه”، مشيرا إلى درجة عالية من التطابق في الآراء ما بين الوزير رامسفيلد ونائب الرئيس الأمريكي ديك تشيني، معلقاً أن “وكانت آراء نائب الرئيس تشيني أيضًا قويًة جدًا في ذلك الصدد، كما أذكر، كان لديه هو ورامسفيلد وجهات نظر مماثلة”.

كما تابع الدبلوماسي السابق في سياق التضاربات داخل الإدارة الأمريكية، مشيراً إلى المناقشات التي أجراها وراء الكواليس ضمن جلسة مجلس الأمن: “قالوا إن إدارة جورج بوش منقسمة. ما يسمى بـ “المحافظون الجدد”، وهم 3-4 أشخاص كانوا واضحين جدًا في أنهم يؤمنون بنشر الديمقراطية في العالم الإسلامي أو مهما كان السبب… وقالوا إن هؤلاء الأشخاص كان نفوذهم قوي للغاية، وقيل لي إن نائب الرئيس تشيني كان أقوى رجل بقدر ما كان له تأثير قوي للغاية على الرئيس بوش”.

وركز قاصوري على الدور الذي لعبته بلاده في معالجة ملف أسلحة الدمار الشامل العراقي أنذاك، لافتاً النظر إلى مكانة باكستان كالقوة النووية الوحيدة في العالم الإسلامي، مما دفع الولايات المتحدة إلى التماس دعمها في موقفها تجاه العراق، قائلاً: “أراد الجميع أن تكون باكستان على المتن؛ الولايات المتحدة، الألمان، الفرنسيون، والروس”.

وتحدث الدبلوماسي الباكستاني السابق عن اجتماعه الأول بوزير الدفاع الأمريكي آنذاك، دونالد رامسفيلد، الذي حاول الأخير أن يقنعه بدعم الموقف الأمريكي: “أخبرني أن عددًا من دول العالم الإسلامي (دون الإشارة إلى أي منها) كانت ستدعمها، وبالتالي أوضح لي أن باكستان يجب أن تدعم أيضًا. وعندما طلبت أسماء، لم يعطني أسماء أي دول في العالم الإسلامي أو الشرق الأوسط”.

أما فيما يخص الموقف الرسمي الباكستاني في تلك الجلسة، شدد الدبلوماسي السابق على الدور الذي لعبه الضغط الداخلي الناتج عن الرأي العام في باكستان آنذاك، وخاصة في ظل غزو أفغانستان: “لقد كنا بالفعل تحت ضغط كبير في الداخل لتحالفنا مع الولايات المتحدة بشأن أفغانستان، وأننا لن نجد ذلك ممكنًا”.

كما أكد قاصوري أنه وعلى الرغم من الضغط الأمريكي الذي تعرضت له بلاده، فلم يتوافق موقف باكستان تجاه الملف العراقي مع موقف الولايات المتحدة، قائلاً أن “فيما يتعلق بباكستان، شعرنا أنه يتعين علينا انتظار [نتائج] بعثة مراقبي لجنة الأمم المتحدة للرصد والتحقق والتفتيش وبعثة الأمم المتحدة لتقصي الحقائق على الأرض، وتحقيقات الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وكان هناك أيضا قرار سابق لمجلس الأمن يوفر إطارا واسعا”.

وفي الحديث عن الأسباب التي منعت الدول الأعضاء في المجلس من دعم الموقف الأمريكي، أشار قاصوري إلى المخاوف التي كانت منتشرة على نطاق واسع في ذلك الوقت، قائلاً: “فقد شعرنا أنه إذا لم نتخذ موقفا قويا حقا، فسيكون هناك خطر آخر: سيسمح بالحق في توجيه ضربات استباقية إلى البلدان في المستقبل، الأمر الذي سيزعزع الاستقرار الدولي بشكل ملموس”.

أما في الحديث عن مدى ثقة الوزير كولين باول بصحة المعلومات الاستخباراتية التي كان يدلي بها في تقريره لمجلس الأمن، أفاد قاصوري أن باول لم يكن يعلم عن عدم دقة تلك المعلومات قائلاً: “فإن حقيقة أنه ندم على ذلك تجعلني أشعر أنه في الواقع كان يصدق المعلومات التي تلقاها. لكن من الواضح أنه ندم على ذلك، والمعنى بالنسبة لي واضح أنه شعر أنه قد تم تضليله”.

يذكر أن وزير الخارجية الأمريكي، كولن باول، أكد في جلسة لمجلس الأمن الدولي في 5 شباط/فبراير 2003 أنه تلقى معلومات تؤكد امتلاك العراق أسلحة دمار شامل.

وعرض باول خلال الجلسة صور الأقمار الصناعية وتسجيلات صوتية وبيانات استخباراتية تدل على تهرب العديد من المسؤولين العراقيين من الالتزام بقرارات مجلس الأمن المطالبة بتعاون البلاد مع الجهات المعنية بالتفتيش على الأسلحة.

وفي ذات الجلسة، ردا ممثل العراق بالأمم المتحدة على هذه الاتهامات نافيا صحة كل ما قاله باول، مشددا أن كل ذلك “لا يعدو أن يكون محاولة أميركية أخرى لتسويق الحرب دون امتلاك سبب شرعي أو سياسي أو أخلاقي لها”.

ولاحقا وصف باول خطابه في تلك الجلسة بأنه “وصمة عار” في سجله، بعدما لم يتم العثور على أسلحة دمار شامل في أعقاب الغزو.

وفي 20 آذار/مارس 2003 بدأت الولايات المتحدة عملية غزو العراق دون موافقة من الأمم المتحدة، وقصفت الصواريخ الأميركية أهدافا في بغداد، متجاوزة بذلك القانون الدولي، بحجة امتلاك العراق لأسلحة دمار شامل لغرض السيطرة على العراق وتدميرها إنسانيًا وبنيانيًا، والسطو على ثرواته.

وأدى غزو العراق، تحت ذريعة امتلاكه أسلحة دمار شامل (هذا الأمر لم يتم إثباته مطلقا رغم احتلال البلاد بالكامل)، إلى إسقاط نظام الرئيس صدام حسين، وخسائر بشرية هائلة، عدت بمئات الآلاف من القتلى والمصابين المدنيين؛ فضلا عن تشرد الملايين، وتحطيم البنية التحتية للبلاد.