دولي

تشاد تسحب نصف قواتها.. هل يتجه تحالف الساحل نحو التفكك؟

يشكل سحب تشاد نصف قواتها من منطقة الحدود الثلاثة بين مالي والنيجر وبوركينا فاسو، نكسة جديدة لمكافحة الإرهاب بالساحل التي تقودها فرنسا، بالتزامن مع تصعيد أمني خطير راح ضحيته مئات القتلى خلال الأسابيع الأخيرة.

فمن بين 1200 جندي نشرتهم تشاد في فبراير/شباط الماضي، بالحدود الثلاثة لمواجهة المنظمات الإرهابية المرتبطة بتنظيمي القاعدة وداعش، أعلنت نجامينا، في 21 أغسطس/آب، إعادة 600 منهم للبلاد، بعد الاتفاق مع قوات مجموعة دول الخمسة ساحل.

وتضم مجموعة الساحل الخمسة كلا من تشاد ومالي وبوركينا فاسو والنيجر بالإضافة إلى موريتانيا، وتقود هذا التحالف فرنسا، التي أنهت عمليتها العسكرية في المنطقة (برخان)، في 10 يونيو/حزيران الماضي، وانضمت إلى تحالف دولي لمكافحة الإرهاب، ضمن عملية “تاكوبا” الأوروبية.

بوكو حرام” تضغط

سحب الجيش التشادي نصف قواته، جاء بعد نحو أسبوعين من تعرض قواته لهجوم عنيف لتنظيم “بوكو حرام”، في منطقة بحيرة تشاد، التي تعتبر الخاصرة الغربية الرخوة للبلاد.

وخلّف الهجوم مقتل 26 جنديا تشاديا على الأقل، وإصابة 14 آخرين، كانوا في استراحة بمحيط بحيرة تشاد، بعد دورية لهم بالمنطقة، قبل أن يؤخذوا على حين بغتة.

وبحيرة تشاد أكبر بحيرة في منطقة الساحل الإفريقي، وتتقاسمها 4 دول (النيجر ونيجيريا والكاميرون وتشاد)، وتتميز بكثرة جزرها وضحالة مستنقعاتها، وضفافها الطينية، وغطائها النباتي، الذي يساعد التنظيمات المسلحة بالاختباء والتمركز ببعض جزرها، التي تشكلت بفعل التبخر والتغير المناخي.

وهذا الهجوم يُعد الأعنف من نوعه ضد الجيش التشادي منذ مارس/ آذار 2020، حينما قتل 98 جندي في محافظة بحيرة تشاد على يد بوكو حرام، قبل أن تعلن باماكو في الشهر التالي تطهير المنطقة من كامل عناصر التنظيم المصنف إرهابي.

ويعني ذلك أن “بوكو حرام” عادت للنشاط مجددا في منطقة بحيرة تشاد بعد 17 شهرا من طردها منها، ما يشكل تهديدا أمنيا خطيرا ضد نجامينا.

وتتزامن عودة بوكو حرام إلى المنطقة، بعد صد الجيش التشادي في أبريل/نيسان الماضي، هجوما عنيفا لمتمردي جبهة الوفاق والتغيير (فاكت) القادمين من الحدود الليبية في الشمال، ومقتل الرئيس إدريس ديبي، في تلك المعارك، وتولي مجلس عسكري بقيادة نجله محمد زمام السلطة.

وهذا الوضع الداخلي المتأزم سياسيا وأمنيا، يضغط على نجامينا لسحب مزيد من قواتها خارج البلاد، وخاصة بالمثلث الحدودي بين النيجر ومالي وبوركينا فاسو.

لكن مع ذلك من المستبعد أن يسحب المجلس العسكري في تشاد كامل قواته في الساحل، بالنظر إلى حاجته للدعم المالي والدبلوماسي الفرنسي والدولي للبقاء في السلطة.

إخفاق عسكري أم تكتيك جديد؟
تزامن إعلان نجامينا سحب نصف قواتها من الحدود الثلاثة، مع مقتل 17 مدنيا على الأقل في نفس اليوم بالنيجر، وقبلها سقط مئات القتلى والجرحى في كل من مالي وبوركينا فاسو، خلال أغسطس لوحده.

ووقوع هذه المجازر في منطقة انتشار القوات التشادية يعكس إخفاقها في التصدي للجماعات المسلحة التي يعتقد أنها تنتمي لجماعة “النصرة”، المقربة من القاعدة، أو تنظيم داعش الإرهابي في الصحراء الكبرى.

إذ أن 1200 جندي تشادي لم يكفوا لتطهير المثلث الحدودي في الساحل من التنظيمات الإرهابية، مثلما فعلوا في بحيرة تشاد خلال أسبوع واحد فقط من أبريل 2020.

وتوصف القوات التشادية بأنها الأكثر خبرة وكفاءة بين جيوش الساحل في قتال الجماعات المسلحة في الصحراء الكبرى وحول بحيرة تشاد، سواء في النيجر أو مالي وحتى في الكاميرون.

لكن نجامينا لديها تصور آخر بشأن مكافحة الإرهاب في منطقة الحدود الثلاثة، فبحسب الناطق باسم الحكومة التشادية عبد الرحمن كولامالاه، فإن “عدد الجنود الموجودين في منطقة الحدود الثلاثية كان زائدا عن الحاجة”.

ويوضح كولامالاه، أن “الوضع على الأرض يتطلب قوة متحركة وديناميكية أكثر، ما جعلنا نسحب بعض قواتنا ذات التسليح الثقيل”.

وهذه وجهة نظر فيها بعض المنطق، لأن الجماعات المسلحة تتحرك في منطقة صحراوية شاسعة عبر دراجات نارية خفيفة وسريعة الحركة، وتستخدم أسلوب حرب العصابات (الكر والفر) وتهجم على قرى نائية ومتباعدة، لكن يقطنها الجزء الأكبر من السكان، مما يصعب مطاردتها عبر مدرعات ثقيلة الحركة.

لذلك فإن القوات الثقيلة والمتمركزة في المدن والبلدات الرئيسية تكون في الغالب غير فعالة في مكافحة الإرهاب، وهو ما انتبهت إليه فرنسا عندما لجأت إلى القوات الخاصة الأوروبية في عملية “تاكوبا”، بالإضافة إلى الطائرات العمودية والمسيرة، والاستعلامات التي توفرها الولايات المتحدة الأمريكية.

ومع ذلك كل هذه الأساليب والتقنيات مجتمعة لم توقف تلك المجازر بحق المدنيين، بل تورطت أحيانا قوات محلية وغربية في استهداف مدنيين، على غرار اتهام الأمم المتحدة لفرنسا بالوقوف وراء مقتل مدنيين في غارة جوية وسط مالي، في 3 يناير/كانون الثاني الماضي.

مؤتمر للمصالحة يشمل المتمردين
في خطوة جريئة، تشبه ما أقدم عليه رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد علي، عند توليه السلطة في 2018، دعا محمد ديبي، رئيس المجلس العسكري التشادي، في 10 أغسطس، إلى مشاركة المجموعات السياسية والعسكرية، في “حوار وطني شامل” من أجل تعزيز “الوحدة الوطنية والعيش المشترك”.

ومن المنتظر أن يعقد هذا المؤتمر في ديسمبر/كانون الأول المقبل، بمشاركة الجماعات المتمردة المتمركزة في ليبيا والسودان، بما فيها جبهة الوفاق والتغيير (فاكت)، المتهمة بقتل الرئيس إدريس ديبي، في 20 أبريل الماضي، بعد يوم من إعلان فوزه بولاية رئاسية جديدة.

ويعول ديبي الابن، على هذا المؤتمر، لإقناع المتمردين بترك السلاح والانخراط في الحياة السياسية، ورسم معالم جديدة للمرحلة الانتقالية، بمشاركة “المعارضة السياسية والمسلحة”، حيث ينتظر أن تنتهي بتنظيم انتخابات رئاسية وبرلمانية.

لذلك ليس من المستبعد أن استدعاء 600 جندي من الحدود الثلاثة يهدف لتعزيز الوضع الأمني في العاصمة استعدادا لانعقاد هذا المؤتمر المصيري بالنسبة لديبي ونظامه.

ومهما كانت هذه الأسباب التي أدت إلى سحب تشاد نصف قواتها من الحدود الثلاثة، إلا أن تأثير ذلك لا يبدو كبيرا على الوضع الأمني في المنطقة، نظرا لوقوع مجازر كبيرة مع وجودها.

لكن إذا وضعنا في الاعتبار هذا التغير التكتيكي ضمن مشهد شامل في المنطقة والعالم، وما يميزه من قرار باريس تقليص نصف قواتها في الساحل البالغة 5100 عنصر حتى مطلع 2022، فنحن أمام تفكك تحالف دول الساحل تدريجيا، أمام تراجع الدور الفرنسي في المنطقة، وانسحاب أمريكي من أفغانستان والعراق بعد 20 سنة من الحرب على الإرهاب. المصدر: وكالة الأناضول