بقلم: د. أحمد خليل الحمادي
في إطار سعي وزارة ثقافة النظام القاتل المجرم العمل عبر الدعاية لتلميعه و إظهاره بمظهر حضاري وراقي، سعياً لتجميل الوجه الدموي للنظام والعصابة الحاكمة القاتلة المجرمة المتحكمة به، أمام الرأي العام الداخلي والخارجي.. أوعزت للمركز الثقافي العربي بإقامة حفلا فنيا للإحتفاء بمن حصل من السجناء على شهادة الدراسة للتعليم الأساسي والثانوية في سجن دمشق المركزي.
وهنا من واجبي تفصيل الخبر، فالمركز الثقافي المعني ليس مركزا ثقافيا للسجن و خاص به، بل هو مركز الثقافي مستقل ونشاطه هذا نشاطاً دعائياً وحيدا.. وقد يكون عبارة عن عدة نشاطات متقطعة حسب الغرض منها والحاجة لها بغرض التلميع والدعاية.
والسجن المقصود هو سجن دمشق المركزي، الذي يضم بدوره سجنا للأحداث والأحداث هم من يرتكب جرما عاديا وعمره اقل من ١٨ سنة، أي قد يكون طالبا في شهادة التعليم الأساسي أو الثانوية و يسمح له التقدم للإمتحان وهو في السجن ( الإصلاحية )، أو ممن يرغب في متابعة دراسته من النزلاء.
أي السجن ليس مخصصا لسجن من اعتقلوا على خلفية الثورة، أو ما يطلق عليهم النظام الطائفي القاتل إرهابيين، فهؤلاء لهم أقبية المخابرات و معتقلات معروفة وغير معروفة وسجون خاصة بهم و يتم التعامل معهم كأعداء يجب الخلاص منهم والقضاء عليهم.. وكل ممارسات التعذيب والقتل مباحة من قبل جلاوزة الجلادين والسجن اتجاه هؤلاء ولا يحاسبون على تجاوزاتهم..
بل لا يعتبر ما يقومون به تجاوزا بل مهمة أوكلت على عاتقهم في ظل غياب تام للقانون، بل العنف والوحشية والتعذيب والتصفية والقتل هو قانونهم الخاص بهم، لذا لا يعرف مصير مئات الآلاف من السوريين من المعتقلين على خلفية الثورة هل هم احياء أم أموات لا يعرف مصيرهم للأسف، و قد يستنزف أهاليهم ماليا و يبيعون منزلهم أو بعضا مما يملكون لمعرفة مصير ابنهم المعتقل و بعد الدفع و الرشاوي قد لا يصلون لنتيجة تسرهم، وقد تأتي الإجابة بأنه قتل تحت التعذيب.
و بالعودة للمركز الثقافي أقول من خلال تجربتي الشخصية عندما كنت مديرا لثقافة درعا، سعيت خلالها لتعميم الثقافة ودورها ونشاطاتها وفعالياتها بالإضافة للمراكز المعتادة والخروج من النمط المعتاد من حيث المكان، حيث أقيمت النشاطات الثقافية في القرى الصغيرة والبعيدة عن مركز المدن والبلدات التي يتواجد فيها مراكز ثقافية، و جعلت أهلها و أهالي القرى المجاورة لها ( حيث الفعالية ) ينخرطون في الحياة الثقافية و يشاركون فيها و يتفاعلون معها ..
و من تلك النقاط التي استهدفتها سجن غرز المركزي في درعا، ولكن بعد إجراءات بيروقراطية صعبة، بدأت بدعوة مدير السجن العميد الشرطي علي عباس و طرحت عليه فكرة إقامة مركز ثقافي في السجن، استغرب بداية وقال ولكن في سجوننا لا يوجد مراكز ثقافية، و بعدها أبدى موافقته و شكرني، ثم حصلت على موافقة المحافظ و بعد على موافقة إحداث المركز من وزارة الثقافة ثم من قائد الشرطة و وزارة الداخلية، و فرع الأمن السياسي كونه موكل بالسجون حضر البعض من محققيهم ليستفسروا أو بالأحرى ليحققوا عن الدوافع والغايات و ليشو…. و كأنني متهم، و زبدة القول قلت لهم طرحي وغايتي كمدير ثقافة وبأن من واجبي نشر الثقافة وتعميمها في كل مكان من المحافظة والسجن يقع فيها وهناك موافقة من وزارة الثقافة ووزارة الداخلية والمحافظ على إقامة المركز وإذا هناك مانع أمني خاطبوا هذه الجهات و كفوا موافقاتهم ….. هذا ما قلته بالاخير لرئيس فرع الأمن السياسي المجرم المشؤوم عاطف نجيب.
و تم افتتاح المركز الثقافي في سجن غرز المركزي بدرعا في عام ٢٠١٠ م و عينت رئيسا له من داخل السجن وكان يعمل مرشد اجتماعي من الشيخ مسكين، و إقيم فيه اسابيع ثقافية عديدة ونشاطات فنية ومسرحية ومحاضرات وندوات ثقافية ونفسية ولمية و تربوية متنوعة ودورات محو أمية و ورشات فنية للفنانيين السجناء فيه و كنت أضع برنامجه الثقافي و نشاطاته مع رئيسه و زودت المركز بعدد كبير من الكتب حسب ما استطعت، وهو المركز الثقافي الأول الذي أقيم في السجون السورية، على فكرة في السجون هناك ملاحظة إقامة للنشاطات الثقافية فيها مثل صالة مسرح و قاعات و لكنها معطلة و غير مفعلة و لا يوجد فيها التجهيرات اللازمة من إضاءة و صوت …
وأتمنى أن تكون في السجون مراكز ثقافية لرفع السوية الثقافية للنزلاء والارتقاء بهم، ولكن النشاط الثقافي الذي أقيم في سجن دمشق المركزي ما هو إلا نشاط دعائي ترويجي تلميعي لغسل الوجه الدموي الإجرامي لنظام طائفي قاتل مجرم يحاول استغلال كافة الوسائل والأساليب لتغيير الصورة الدموية عنه ولكنه لن يفلح في ذلك مهما فعل حتى لو سخر كل وسائل الإعلام و الاتصال والإقناع فأثيره على أجسادنا دماء و سياط وأكبال ودعس شبح وقتل واغتصاب وعلى بلدنا دمار وخراب وتحطيم وتدمير بفعل براميله وذخائره على رؤوسنا.