آراء

المطلوب من أمريكا أن تكون أكثر عقلانية


بقلم: عبد الكريم محمد

صحيح أن قاعدة الربح والخسارة، والتكلفة والمردود.. تعتبر الركيزة الصلبة التي تنطلق منها أمريكا بخاصة والغرب بعامة.. هذه القاعدة على ما يبدو، ستبقى ذهبية فيما يخص العرض والطلب ونوعية المعروض. لكن من غير الممكن أن يبقى الغرب يعيش عنجهية مفرطة، ليس لها ما يحققها واقعا، فقد جرب الغرب عبر قرون، مع الشعوب التي استعمرها، وكانت النتيجة على الدوام، آلام تلحق بالشعوب المستعمر، وهزائم تلاحق المستعمر، لتنال منه أخلاقياً..

بالأمس القريب جربت أمريكا وفرنسا والغرب حظوظها في فيتنام، بل وجربت أمريكا حرب الضرورة في أفغانستان، وحرب بناء النموذج المخزي حقاً في العراق.. فلا هي نجحت بحرب ضرورتها، فمن قادت بالأمس القريب حربها ضده لتجهز عليه، اليوم يفرض عليها سحب ذيول خيبتها وبقايا عسكرها ودبلوماسييها، عبر طرف  آخر يسمى الوسيط.. هذا ما نشهدة عبر عدسات المصورين وشاشات الفضائيات، التي تملأ الفضاءات  الكونية ضجيجاً.

أما ما يخص بناء النموذج، فما يقال عنه أكثر من مخز حقاً، بل يندى له الجبين، حيث عادت الدول إلى دوافعها الغريزية الكامنة ما قبل التاريخ أحقاداً، لمظاهر طائفية وأثنية وجهوية وعشائرية ومناطقبة.. فلا هي نجحت بأفغانستان بحرب ضرورتها، ولا بالعراق بحرب، أو إذا شئت بكذبة نموذجها المتخيل، توطئة لتحويل البلاد إلى كانتونات وبانتستونات، لا يربط بينها رابط، ولا يجمع بينها جامع، سوى الاسم الوهمي المجوف.

المهم بالأمر، على الغرب أن يدرك، أن ثقافته الإحادية، فشلت أمام شمولية الثقافة عند شعوب، بعثت مع فجر التاريخ الأول، وأنها إذا ما أرادت جسور العلاقات النافعة والناجزة، أن تساعد في بناء الديموقراطيات الحديثة، وليس ببناء الديكتاتوريات والعصابات الأمنية، والسهر على حمايتها..

بل لا بد أن يدركوا جيداً، أن لكل أمة موروثها، وأن شعوبهم ما تزال تعيش في غياهب عنصريتها، وشعاراتها الدينية المقززة والتافهة. وأن يتخلصوا من مفاهيم وقيم جيري فالويل وغيره من الترهات، التي انتجت في مجتمعاتنا ثقافة التطرف الديني بالعدوى، ولم تكن لتقوى على العيش بالوسط، لولا هذه الثقافة الطارئة أو الوافدة من خلف المحيطات.

بل عليهم أن يدركوا أن الديموقراطية، ليست سلاحاً تكتيكياً، يخضع للربح والخسارة والعرض والطلب، وأنها ليست حكراً على شعب أو أمة بعينها.. وأن الشعوب الأكثر معرفة ليس بالتكنولوجيا، بل في حب الحياة، هي وحدها من سيسيطر بنهاية الأمر، باعتبارها تقف على النقيض من الطارئ المتنحي.. وأن من نصبهم الغرب حكاماً لبلادنا، هم مرآة له وليسوا مرآة الشعوب المظلومة.. وعندما ينقلب السحر على الساحر، ستأكلون أياديكم ندماً؛ لحظتها لن ينفع الندم.