أدب

المشافهة يا صديقي ترياق الحياة

بقلم: عبد الكريم محمد

ذات يوم، قال لي صديقي متهماً، أنتم معشر العرب تحبون الكلام.. يومها لم أرد عليه بكلمات قد تشفي لتصب في معنى المشافهة.. لكني وأنا أسير الهنيهة مشياً على الأقدام، تذكرت أن الله عز وجل، خاطب كل أنبيائه مشافهة عبر الوحي.. رغم أنه جل وعلا أدب موسى على طلبه بالمشافهة.

بل تذكرت أكثر أن التدوين جاء في القرن الثالث الهجري، حتى  “موطأ” عالم المدينة الإمام مالك بن أنس (95-179 ﻫ) الذي ذكر فيها أحاديث عن سيرة رسول الله وأخلاقه ومغازيه، والذي سبق عهد التدوين… لم يمنع الرجل عن حبه للمشافهة، ودوام عقد حلقاته في بيته الذي كان مسجداً، ليتناول بها كل شيء، حتى لحظة كسر جناحيه من الحاكم الظالم، واعتزاله عن من لا يستحقون الشراكة في الكلام الندي، الذي يقطر شهد المعرفة.  

المشافهة يا صديقي هي ياقة الروح، ومبعث الأمل، بل هي الشراكة في اللحظات، حتى الرقشاء منها في سراديق العزاء وعيادة المرضى.. هي متعة لا يقوى على تذوق طعمها من خانته المعرفة ولم تعد له.. ليصبح طليقاً محروماً من لذتها، يعيش على جنبات الوقت..

هي العشق اللامتناهي الذي يجدد فينا المشاعر، بل هي كمن يعيد صقل دواخله، ليستحضر الطفولة والمراهقة والشباب، بأنصع الصور، حتى ولو كانت فاقة وفقراً وقلة وحرماناً.

هلا عرفت يا صاح، لماذا نعشق المشافهة، أكثر من الخبز المغمس بالعسل؟

هلا عرفت لماذا نحب المشافهة، حتى ولو كانت مع عابر السبيل؟

هلا خطر ببالك يوماً، بأن المراسلة نصف المشاهدة لا أكثر؟

عليك أن تعرف يا صاح ” وأنا أخوك لو جار الزمن صاحبك”، أن عشق الأشياء بكل ما تحمله من طعم، هي المشافهة وحسب، لأنها مبعث الحنين وغذاء لنياط القلب يا ابنة وابن مالك.