آراء

المبالغة بحجم الانتصارات.. بداية الهزيمة النكراء

بقلم: عبد الكريم محمد

منذ أن وجد البشر على اليابسة، وحتى يومنا الذي نعيش.. كانت المبالغة وما تزال سلاحاً يرافق البشرية، إن كان ذلك الأمر يصب في مصلحة المنكسر أو المبالغة في تقليل حجم الانكسار عندما يصب هو الآخر في مصلحة المنكسر.

بعضهم يجد في هذا الأمر “الفاجعة” رفعاً للمعنويات والحفاظ على تراص الصفوف في مواجهة الأعداء المفترضين.. دون أن يدرك، أنه ما أن تتكشف الحقائق، حتى تقع المصائب كلها دفعة واحدة.. ليكتشف هؤلاء القوم جميعاً أنهم وحدهم المغفلين والمغدورين والضحايا لكذبة قذرة، اسمها التمويه ورفع المعنويات، توطئة للانتصارات الكبرى.

هذا السلوك بكل تأكيد يفقد الناس الثقة بأنفسهم، لتكبر كما كرة الثلج يوماً بعد يوم، لتعم حالة عدم الثقة وغياب المصداقية، بين غالبية أفراد المجتمع، خاصة أولئك المهمشين منهم، الذين لا ناقة لهم ولا جملاً بالأصل، من كل ما حصل أو سيحصل..  

هذا الواقع المزري، الذي يسوده عدم الثقة والشك وفقدان المصداقية، سيؤسس لا محالة لحالة من الخراب وفقدان منظومة الأمن والأمان، ليصبح فيما بعد ما يسميه البعض بالعقد الاجتماعي داخل المجتمعات، أوهن من بيت العنكبوت.. وستتحول هذه المجتمعات المفترضة نظرياً الى عصابات مارقة، تقوم على مفهوم يتيم “القوي يأكل الضعيف”، بقيادة ورعاية وترتيب أولئك الذين يدعون لأنفسهم الانتصارات العظمى، والدفاع عن الأوطان والقيم والهويات الزائفة.. والشواهد أكثر من أن تعد وتحصى.

بعدها يبدأ الخراب ليأكل الأخضر قبل اليابس، وقد يستغرب البعض أن أحد أهم أسباب الأزمات وسقوط الأمبراطوريات، غياب الثقة بالعصابة الحاكمة، التي تدعي لنفسها القوة والاقتدار، ناهيك عن غياب المصداقية والعدالة الاجتماعية في آن معاً.

وبمعزل عن التفاصيل المعروفة، لا يمكننا أن نصدق الأبطال الخارقين، ولا يمكننا إلا أن نقول ما قاله هامان لفرعون “على هامان يا فرعون”، هذا الفرعون وما تبعه من فراعنة اللذين يعدون بالملايين هم بلاء البشرية، وهم من يحرق روما وغيرها من المدن الوادعة، ليجلس على تلال خرابها.

اليوم نعود مرة أخرى لنجلس على تلال الخراب، نعود مرة أخرى لنشهد المهزلة التي أصبحت مسخرة، رغم التطور الذي نعيشه وأدوات الإيصال والاتصال، التي جعلت من المعلومة الغائبة عن الذهن لقمة سائغة، ومن هذا العالم المترامي الأطراف قرية كونية واحدة..