
كشفت صحيفة “الغارديان” البريطانية، أن المستشار القانوني الخاص للملكة إليزابيث الثانية، السير مارك بريدجز، أمضى نحو ثماني سنوات في إدارة الثروات الخارجية لرفعت الأسد، عم رئيس النظام المخلوع، بشار الأسد، والذي يواجه تهماً بارتكاب جرائم حرب.
وفي تقرير لها، بالتعاون مع مكتب الصحافة الاستقصائية، قالت الصحيفة إنه على الرغم من أن سجل رفعت العسكري ودوره كقائد لما كان يُعرف بـ”سرايا الدفاع” في سوريا كان محل انتقاد واسع منذ ثمانينيات القرن الماضي، فإن هذا لم يمنع محامي الملكة إليزابيث من تقديم خدماته له في إدارة ثرواته عبر صناديق استثمارية خارجية.
وكشفت التحقيقات أن مارك بريدجز، الذي يُعرف أيضاً باللورد بريدجز الثالث، كان بمنزلة وصي وأمين، بين عامي 1999 و2008، على ما لا يقل عن خمسة صناديق استثمارية تابعة لرفعت الأسد وأفراد أسرته، والتي كانت تحتفظ بأصول مالية في فرنسا وإسبانيا.
وفي الفترة نفسها التي كان فيها أميناً ووصياً على صناديق رفعت الأسد الاستثمارية، شغل بريدجز واحدة من أكثر المناصب القانونية رفعة في المملكة المتحدة، بصفته المستشار القانوني الخاص للملكة إليزابيث، وهو المنصب الذي احتفظ به بين عامي 2002 و2019.
إحراج شديد للعائلة المالكة البريطانية
وقالت الصحيفة إن الكشف عن هذه العلاقة أثارت تساؤلات واسعة حول مدى أخلاقية تولي المحامي الخاص للملكة ملف إدارة ثروات شخصية متورطة في انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، خاصة في ظل احتمالات تعريض العائلة المالكة البريطانية لإحراج شديد، لو تم الكشف عن تلك الصلة في أثناء حياة الملكة.
وذكرت الصحيفة أنه حتى اللحظة، لا توجد مؤشرات على ارتكاب بريدجز أي مخالفة قانونية، حيث حصل في عام 2019 على وسام الفروسية تقديراً لخدماته للملكة، إلا أن العلاقة مع رفعت الأسد تثير مخاطر أخلاقية بسبب السمعة المترتبة على العمل مع شخص متهم بارتكاب فظائع في مجال حقوق الإنسان.
وأكدت شركة بريدجز القانونية “فارير وشركاه” أن الصناديق الاستثمارية الخاصة برفعت الأسد أُنشئت بناءً على نصيحة من شركة محاماة بارزة أخرى، وأن جميع تعاملات بريدجز التزمت بالكامل بالمعايير القانونية المعمول بها آنذاك، مشيرة إلى أن بريدجز تلقى أدلة تناقض الاتهامات الموجهة للأسد.
“معلومات موثوقة”
وزعمت الشركة القانونية أن بريدجز، عند تعيينه وصياً وأميناً على أموال رفعت الأسد، تلقى أدلة اعتبرت “موثوقة” فندت الادعاءات الإعلامية الموجهة ضده، بما في ذلك 11 حكماً قضائياً فرنسياً صدرت بين أواخر الثمانينيات وأوائل التسعينيات، وجاء معظمها لصالح الأسد في قضايا تشهير.
وقالت الشركة إن أمناء رفعت الأسد الاستثماريين، بما في ذلك بريدجز، “حصلوا على أدلة موثوقة لصالحه، عندما تم تعيينهم وفي مراحل مختلفة بعد ذلك، وهو ما يتناقض بشكل أساسي مع الادعاءات التي وردت في وسائل الإعلام ضده”.
ورفضت الشركة القانونية الكشف عن الأدلة التي بحوزتها، وقالت إنها وبريدجز “مُقيّدتان، بموجب واجب الحفاظ على سرية بيانات العميل، من الكشف عن طبيعة هذه الأدلة، أو التعليق على ما إذا كان من المناسب لمحامي الملكة تمثيل رفعت الأسد أيضاً”.
وأكدت الشركة القانونية أن التحقيقات لم تثبت حتى الآن أن بريدجز كان يعلم أن ثروة رفعت الأسد مصدرها غير قانوني، مشيرة إلى أن رفعت الأسد نفسه زعم أن أمواله جاءت كهبات من جهات مانحة، في مقدمتها العائلة المالكة السعودية، وهي رواية اعتُبرت معقولة من قبل المحكمة العليا في جبل طارق، عام 2018، عندما نظرت في وضع أمواله.
جدل أخلاقي بشأن محامي النخب السياسية
وأشارت “الغارديان” إلى أن الضغط يتزايد مؤخراً في بريطانيا على مكاتب المحاماة لفرض معايير أكثر صرامة بشأن قبول العمل مع سياسيين أجانب مشبوهين.
وأوصت لجنة بريطانية مستقلة حديثاً بأن يتحقق المحامون من “مصداقية مصادر الثروة” لعملائهم، محذّرة من أن التغاضي عن هذه المخاطر الأخلاقية قد يقوض سمعة المهنة القانونية.
وفي بيانها، اعترفت شركة “فارير وشركاه” بأن قرار بريدجز بتمثيل رفعت الأسد اليوم كان سيتطلب “مراجعة دقيقة” في ظل البيئة التنظيمية والمعلومات المتوفرة حالياً، وهو ما يفتح الباب أمام الجدل حول مدى انخراط نخبة القانون البريطانية في قضايا مثيرة للشبهات.