تصدرت شعوب دول الخليج العربي قائمة العرب الأقل رغبة في هجرة دولهم خلال العشرين السنة الأخيرة، الأمر الذي يقف وراءه العديد من الدوافع الاقتصادية والسياسية ويترتب عليه كذلك تبعات اجتماعية.
وأظهرت نتائج المسح الذي أجراه مركز الشرق الأوسط للاستشارات السياسية والاستراتيجية(MenaCC) البيانات عن طلبات الهجرة واللجوء في العالم العربي خلال العقدين الماضيين.
الخليج الأكثر استقرارا
ذكر المسح أنه خلال عام 2022، لم يتقدم سوى نحو 939 فردا من سكان دول الخليج الست (البحرين، والكويت، وعمان، وقطر، والسعودية، والإمارات) بطلب لجوء الى دول أجنبية من أجل الإقامة والعمل، في المقابل تقدم 134 ألف عربي من دول خارج منطقة الخليج بطلبات لجوء من دولهم العام الماضي فحسب.وخلال العشرين عاما الماضية، تقدم نحو 18400 ألف فرد من سكان دول مجلس التعاون الخليجي بطلبات لجوء للإقامة في الخارج لأسباب مختلفة. لكن هذا العدد لا يذكر مقارنة بباقي سكان الدول العربية الراغبين في الهجرة من دولهم، حيث تقدم نحو 4 ملايين عربي بطلبات لجوء خلال العقدين الماضيين لأسباب أهمها مرتبط بمخاطر أمنية متعلقة بالصراعات والحروب وأخرى اقتصادية.
ومن حيث ترتيب أكثر الشعوب رغبة في الاستقرار في دولهم جاء الإماراتيون أولا ثم القطريون ثم العمانيون فالبحرينيون فالسعوديون فالكويتيون على التوالي.
سلبيات ارتفاع معدلات الهجرة
أما خارج منطقة التعاون الخليجي بلغ معدل الهجرات سواء الاختيارية أو السرية وتيرة مرتفعة سنويا بدافع البحث عن فرص عمل وتعليم وحياة أفضل.وجد المسح أن زيادة الطلب على الهجرة في الدول العربية عزز موارد الحكومات من تحويلات المقيمين في الخارج، إلا أن ذلك ينعكس سلبا على مؤشر الانتماء والمشاركة الفاعلة في تنمية البلدان المصدرة للمهاجرين واللاجئين، وخاصة إذا كان متوسط المدة الزمنية للهجرة واللجوء يفوق أكثر من 10 أعوام مستمرة.
يضرب لبنان المثل الأكثر وضوحا للتعرض للانعكاسات السلبية للهجرات طويلة المدى لمواطنيها، حيث أن لبنان هو البلد العربي الأكثر تصديرا للمهاجرين العرب تاريخيا، اذ يقيم نحو أكثر من ثلثي تعداد الشعب اللبناني في المهجر، ورغم هذا العدد الكبير من المغتربين، لا تستفيد الدولة اللبنانية بشكل كبير من مواطنيها في الخارج بسبب قدرة اندماج اللبنانيين في المجتمعات المستضيفة والاستقرار طويل مدى فيها.
ينطبق الأمر ذاته على سوريا والعراق، حيث يعتبران أكبر مصدر عربي للاجئين في العالم، وذلك بسبب الحروب والصراعات، وتعاني الدولتان بشدة من شح الموارد وقلة الكفاءات والمهارات التي استقطبتها دول أجنبية، تداعيات ذلك كانت سلبية على اتجاهات التنمية في البلدين.
وتستفيد الدول المستضيفة للسوريين والعراقيين من تواجدهم وخاصة المهرة منهم بشكل كبير، حيث تمكن الكثير من السوريين والعراقيين خاصة في أوروبا من النجاح في خلق مشاريع واستثمارات كبرى.
هل يختار المهاجرون العودة؟
يشار إلى أنه بعد نهاية الصراعات في سوريا والعراق قليل جدا من اللاجئين من يقررون طواعية العودة، حيث ما تزال سوريا والعراق تشكوان من ضعف مؤشرات الاستقرار والازدهار والأمان، وهي عوامل لا تشجع المتفوقين من اللاجئين في الخارج للعودة إلى دولهم.وتطول التأثيرات السلبية للهجرة بشكل أقل حدة في كل من مصر وتونس والمغرب والجزائر وكلها دول تسارعت فيها وتيرة الطلب على الهجرة واللجوء خلال السنوات الماضية رغم التفاوت بين الدول المذكورة واختلاف الدوافع مع اشتراك أهمية العامل الاقتصادي في تسريع وتيرة الطلب على اللجوء أو الهجرة السرية أو الشرعية.
ولا تستفيد الدول المذكورة بشكل مباشر من كثافة عدد المغتربين بالشكل الأمثل، حيث أن استمرار العوامل الدافعة للهجرة في هذه الدول تؤثر على زيادة رغبة الاندماج في المجتمعات المضيفة وتضعف تدريجياً روابط الانتماء في البلد الأصل، ولكن هذا الاستنتاج تقديري فقط ولا ينسحب على كل المغتربين.