لا مكان للمطالب المحقة في غابة الضباع.. التقى الأسد فكانت النهاية
د. أحمد خليل الحمادي من كتاب سياسات صراعية / غير منشور
بداية يتسائل الكاتب ومعه الملايين من السوريين، عن الأسباب الكامنة خلف اغتيال محافظ مدينة حماة السورية، والملابسات التي لامست ذاك الاغتيال الجهنمي..
ما الملابسات والدوافع الحقيقية التي أدت لاغتيال أنس الناعم محافظ حماة ؟
ساد الهدوء الأمني في حماة على إثر خروج جميع الفصائل الثورية إلى الريف الشمالي : حلفايا ، اللطامنة ، كفر زيتا ، عطشان ، ….، لتبقى مدينة حماة الوادعة المجروحة، تعج ازدحاماً بالحواجز الأمنية ، لا يكاد يخلو زقاقاً فيها إلا و يوجد به حاجزاً أمنياً، إضافة إلى مجموعة عسكرية من الجيش لدعمه و مؤازرته ، مع انتفاء الحاجة لهذه الكم الكبير من الحواجز التي ضاق الناس منها ذرعاً.
اللقاء بداية القصة
بأحد اللقاءات ما بين رئيس الجمهورية بشار و محافظ حماة الدكتور أنس الناعم من أجل مناقشة الوضع الأمني في محافظته ، طلب المحافظ من الرئيس الإيعاز إلى الجهات الأمنية المختصة من أجل إزالة الحواجز، التي تشكل عبئاً كبيراً على الحياة و المجتمع في المدينة.. و ذلك كونه أحد أبناء المدينة و تهمه أن تكون مدينته آمنة، لا تشوبها أي شائبة أمنية .
صورياً، وافق الرئيس على طلب المحافظ برفع جميع الحواجز و تقليلها للحد الأدنى، كون الوضع مستتب في مدينة حماة – علماً بأنه صديق شخصي له منذ زمن الدراسة، و هو المحافظ و العضو في اللجنة الأمنية- وقد درجت العادة إناطة المحافظ المحافظ برئاسة اللجنة الأمنية . هذا الأمر لم يرق لإدارة المخابرات الجوية في دمشق و لا لقسم الأمن الجوي في حماة ، و لضرورة عدم تنفيذه و عرقلته لا بد من توتير الوضع و إحداث مشكلة أمنية خطيرة فاقعة، بالإضافة للخلاص ممن كان سببا في اصداره.
على الفور كان له اللواء جميل حسن مدير الإدارة العامة للمخابرات الجوية، بإصدار الأوامر باغتياله محافظ المحافظ، و لكن ضرورة أن تخرج العملية بسيناريو محكم، ليتم بعد ذلك إلصاق التهمة بالفصائل المسلحة.
– أدوات التنفيذ :
١- تخطيط واعداد و تنسيق و تجهيز السيارة المفخخة من قبل العقيد الركن ناجي الصباغ رئيس قسم المخابرات الجوية في حماة و أعوانه.
2- متابعة تحركات المحافظ و أنفاسه في المحافظة من قبل علياء موسى باشي و هي زوجة العقيد الركن ناجي الصباغ ، التي تعمل مستشارة للمحافظ و مكتبها جوار مكتبه و حائزة على ماجستير في التربية . طبعا مع وجود عدد من أفراد الأمن الجوي الذين كلفوا بالمتابعة.
3- جهات تواصل و ارتباط مع قائد كتيبة في الجيش الحر ، طلال الدقاق و ( أ ،و) ( أتحفظ عن ذكر اسمه لوعدي للمصدر بذلك ، و هذان ( طلال دقاق + أ،و) من لجان الدفاع المدني التابعة للمخابرات الجوية.
4- الملقب جورج و هو مهنا السقا قائد كتيبة للجيش الحر في منطقة الجراجمة.
٥- ورشات تجهيز المفخخات و البراميل المتفجرة في مطار حماة و هذه أدوات تنفيذ عمياء ، أي يقال لهم أعدوا سيارة مفخخة بالمواصفات التالية فيتم تنفيذ الأمر دون معرفة من ستستهدف.
٦- أدوات دعم لوجتسي في المراقبة و الاعداد و التهيئة و التنفيذ.
التظاهر بالتعاطف مع الثورة
كانت تصطنع المواقف لاظهار علاقة بين طلال دقاق وغيرهم من الأجهزة و ميليشياتها مع مهنا السقا و قادة و عناصر الجيش الحر في حماة، حيث كان هؤلاء و أمثالهم يظهرون تعاطفهم مع الثورة و يسهلون لهم تنقلاتهم أحيانا، كونهم على الحواجز و يتعاونون معهم ببعض الأمور، و لذلك عندما غادر السقا المدينة كانوا يسهلون له التنقل عبر الحواجز للدخول إليها لزيارة والدته وعائلته، ويكون تحت أعينهم..
وكما يقول المصدر : كانوا دائما يسهلون دخوله و خروجه لزيارة والدته و زوجته بحجة أنهم من مدينة حماة و أنهم معه، و ذلك بما يسموه في الأجهزة سياسة الإختراق و الإحتواء.. فالتواصل مع جورج / مهنا السقا كان لهذا الهدف : تواصل كل من طلال دقاق و ( أ،و) من لجان الدفاع الوطني التابعة للمخابرات الجوية مع مهنا السقا / جورج قائد كتيبة الجيش الحر في منطقة الجراجمة الموجود في ريف حماة الشمالي ( إثر خروج جميع فصائل الجيش الحر من مدينة حماة) و طلبوا منه الحضور لأمر هام و مصلحة و عمل ممتاز للثورة .
عندما حضر أدخلوه لمهنا و قاموا بإقناعه بأن المحافظ هو السبب الرئيسي في دخول قطعان الشبيحة و وحدات الجيش إلى مدينة حماة و قمع الثورة ، لذا لا بد من الخلاص منه جراء ما اقترفته يداه.
على الفور أبدى مهنا السقا موافقته على عملية الاغتيال للأسباب التالية :
١- ظهوره كثوري و بطل من مدينة حماة، ( طبعا لا نعرف صدق نوايا الرجل و اخلاصه فربما كان على ثقة بأن هؤلاء مع الثورة و يعملون لصالحها من موقعهم مع الأجهزة الأمنية)
٢- الحصول على مكافأة مالية من الشيخ عدنان العرعور الذي كان يخصص مكافآت مالية مجزية عن كل عملية اغتيال يتم القيام بها .
3- بروزه كقائد ثوري له انجازات كبيرة في مدينته .
٤- وغيرها من الدوافع باعتبارها فرصة لا تعوض و ضربة كبيرة للنظام.
التنفيذ :
قام قسم المخابرات الجوية بتجهيز السيارة المفخخة، و كانت قد أعدت مسبقا في ورشات مطار حماة .
استقدمت السيارة المفخخة من المطار و تم ركنها إلى جانب الطريق المؤدي إلى قصر المحافظة عند مسلخ حماة القديم بجوار فرع الشبيبة في طلعة الجراجمة . *
عرف مهنا السقا دوره المناط به ، و زود بجهاز التفجير عن بعد.. الساعة حوالي الرابعة و عشرة دقائق من يوم ٢٥ آب ٢٠١٣ م
تنطلق سيارة المرافقة أمام المحافظ على متنها أربعة عناصر أمنيين من الأمن السياسي واحد و الشرطة واحد و الأمن العسكري واحد والسائق من الشرطة . *
المحافظ أنس الناعم يستقل سيارته التي تبعت سيارة المرافقة و هي على بعد سبعة أمتار، في سيارته السائق و بجواره مرافق أمني و المحافظ في المقعد الخلفي . *
خرج الموكب المصغر من مبنى المحافظة باتجاه قصر المحافظ حيث يقيم . *
عندما غادر مبنى المحافظة اتصلت علياء موسى باشي مع طلال دقاق وابلغته بانطلاق المحافظ مع الوصف اللازم بأن المرافقة امام و هو بالخلف والسيارة و نوعها و لونها، و هذا كما قلنا سابقا لا يعني عدم وجود مخبرين آخرين يتابعون تحركاته . *
السيارة المفخخة وضعت بمحاذاة مطب قاسي مما يحتم على من سيمر فوقه تخفيف السرعة إلى أدنى حد، و ذلك لتكون الإصابة محققة و قاتلة . *
عندما وصلت سيارة المحافظ للمطب تمت عملية التفجير عن بعد من قبل مهنا السقا . * على الفور فارق الدكتور أنس عبد الرزاق الناعم الحياة و بالإضافة إلى مرافقه الشخصي و إصيب السائق بجروح خطيرة . * تم إسعافهم إلى المركز الطبي في الشريعة بحماة، و كما قلنا كان المحافظ قد فارق الحياة فورا . *
و على الفور بما ان العملية جاهزة و محبوكة جيدا و معدة مسبقا ظهرت وسائل إعلام النظام وقنواته التلفزيونية، للتنديد بهذا العمل الإرهابي الجبان القذر بحق محافظ حماة من قبل المجموعات الإرهابية المسلحة .
– مهنا السقا و تبني العملية : تم إخراج مهنا السقا / جورج إلى ريف حماة الشمالي بكل آمان ليختم الأمر و هناك صور مقطع فيديو أعلان فيه تبني العملية التي نفذها بكل بطولة.
اعتقالات بالجملة
و لتكملة الحبكة قامت الأجهزة الأمنية المتعددة باعتقال عدد من الشبان الحمويين بتهمة اغتيال المحافظ، و لقد تواصل بي أحدهم اعتقل معهم قريب له من الدرجة الاولى و هو منفعل جدا ينفي ما نسب له و قال بأنهم دفعوا الملايين ( آنذاك ) لتخليص أولادهم كرشاوى و عائلته دفعت عشرين مليون لخلاص ولدها عدى ما لحقهم من تعذيب و عدد من اعتقل لدى الأجهزة أكثر من ٢٥ شخص . – نهاية مهنا السقا ( قتل السر بقتل صاحبه ): * بعد فترة تم التخطيط من أجل التخلص من مهنا السقا للحفاظ على سرية العملية ، فهناك قاعدة أساسية في الأعمال الأمنية الخطيرة تقول : التخلص من منفذي العمليات الأمنية لكي لكي لا يفشوا الأسرار لاحقا ، أي قتل السر بقتل صاحبه.
التخلص من أدوات الجريمة
بعد حوالي شهر حيث أراد زيارة أهله و عائلته ( و يدخل و يخرج كما قلنا بالتنسيق مع طلال دقاق و غيره و غطاء أمني ).. نسق مع طلال لتأمين دخوله من مدخل مدينة حماة الشمالي، بذات الوقت جهزت دورية من المخابرات الجوية تمركزت عند دوار السباهي بانتظار مهنا السقا وبرفقته عدة أشخاص من مدينة حماة يتبعون للمخابرات الجوية -يتعامل معهم بشكل اعتيادي في دخوله و خروجه- و الذين كانوا قد تعهدوا له بتحقيق آمانه . *
ما أن وصل لمكان الدورية و تجاوزها بحوالي عشرة أمتار حتى قامت عناصر الدورية الجاهزة والمنتظرة باطلاق النار عليه و هو في سيارته، حيث قتل على الفور و تم إصابة الأشخاص المرافقين له إصابات دون أن تودي بحياتهم، و طعن أحدهم و هو أحد المشاركين في عملية اغتيال أنس الناعم . *
على الفور تصدرت وسائل الإعلام الرسمية للنظام أخبار عملية التخلص من الإرهابي مهنا السقا المسؤول عن مقتل محافظ حماة أنس الناعم .
والأغرب في كل ما سبق، بأن ما جرى كان على مرأى و مسمع و متابعة من قبل محمد علي ديب مبعوث القصر الجمهوري للمتابعة و الإشراف على محافظة حماة و نقل كل شاردة و واردة عنها مباشرة للقصر الجمهوري .