بقلم: د. أحمد خليل الحمادي
مما لا شك فيه بأن نهاية أي صراع ستؤدي في نهاية المطاف لنتيجة على الارض لصالح أحد أطرافه إذا ما تمكن من حسم الصراع حسما نهائيا لصالحه، وفي حال عدم تمكن أي طرف من تحقيق الحسم النهائي قد يتم اللجوء إلى تسوية ترضي أطرافه أو يجبر هذا الطرف أو ذلك على قبول التسوية بما يتناسب مع موقفه الصراعي وقدراته وإرادته، فنتيجة الصراع مرهونة بإرادة أطرافه و التي تؤدي إلى تبيان عزمهم و إصرارهم على متابعة الصراع أو إلقاء السلاح والإذعان لما يريده الطرف المعادي.
ففي الحرب العالمية الثانية شلت إرادة اليابان، التي كانت كفتها الصراعية راجحة وألحقت هزائم عديدة بالأساطيل الأمريكية وخسائر فادحة بالأرواح والعتاد، ولكن استخدام أمريكا للقنبلتين الذريتين على ناغازاكي وهيروشيا والصدمة النفسية الكبيرة التي حدثت بسببهما أدت لإلقاء خمسة ملايين جندي ياباني لأسلحتهم وإنصياع القيادة اليابانية للتوقيع على وثيقة الاستسلام البيضاء ليقرر الحلفاء وأمريكا الشروط التي يريدون تدوينها في الوثيقة كما يرغبون.
و في المقابل و من خلال دراسة حركات تحرر الشعوب والأمثلة كثيرة ولا تحصى نجد بأن الشعوب المتطلعة لحريتها وكرامتها واستقلالها كانت تمتلك إرادة الحياة الحرة الكريمة على الرغم من تفاوت واختلال ميزان القوى لصالح قوى الهيمنة والاحتلال والسيطرة، بينما كانت قوى حركات التحرر الوطني فتية بنت قواها وإمكانياتها وقدراتها حبة حبة كما يقال سواءا البشرية أو المادية، فعلى سبيل المثال الثورة الكوبية التي تفجرت ضد نظام باتيستا الدكتاتوري انطلقت بداية من ثلاثة رجال ثم توسعت شيئا فشيئا و مارست حرب العصابات والادغال منطلقة من الجبال إلى ان وصلت في نهاية المطاف لتقضي على النظام المعادي وتقيم نظامها المنشود المتوافق مع تطلعات شعبها، بغض النظر عن موقفنا من ذلك سلبا كان ام إيجابا.
و كذلك اغلب حركات التحرر الوطني و ثورات الشعوب، التي شهدها العالم والثورة السورية انطلقت بداية بصدور عارية وأغصان الزيتون وباللحم الذي واجه ترسانة عسكرية بنيت على مدار عشرات السنوات، الى ان بدا التنظيم الثوري العسكري بأبسط الأسلحة والذخائر؛ وتحضرني معركة كان الأحرار فيها بجانب منزلي و لقد كان أفضل أسلحة الشباب الكلاشنكوف الروسية مع كم طلقة و عدد البوارد أجزم بأنه لا يزيد عن العشرة وبعض الشباب كان يحمل بواريد الصيد أو ما يسمى الجفت و بعضهم يحمل بواريد دك و بواريد الخردق ولكن إرادتهم كانت عالية جدا وهي إرادة الحياة الحرة الكريمة لذا استطاعوا و أمثالهم تحرير أكثر من ثلاثة أرباع سورية.
و لكن عندما تسلق بعض الأشخاص على قيادة الثورة ورموها بصميم قلبها عندما دمجت بالمعارضة و سيطر هؤلاء على قياد القرار الثوري بدأت للأسف الثورة بالتراجع، و بدأ خط سيرها التطوري بالنزول بعد أن كان في صعود دائم، طبعا و لن نتجاهل عوامل التدخلات الدولية ومساعي النظام الطائفي القاتل المجرم وداعميه وأيضا آزلامه من الضفادع والعملاء والجواسيس والخونة، الذين كان لهم الدور الأخطر في تدهور وإنتكاس وتراجع الثورة، و بالطبع منهم من أنشأ حكومات ومقاطعات وكنتونات ذاتية، جيرت الجهود الثورية العامة من قبل البعض لإقامتها ورسم معالم حدود الفليفلة والباذنجان والملوخية والمازوت والمحروقات والمعابر مجيرين ما حققته الثورة ليصب في مصلحة هؤلاء وجيوبهم. وتطلعاتهم للهيمنة والسيطرة الفردية ضاربين بالثورة ومصلحتها بجدارن خنادقهم ومعابرهم.
وبالعودة لموضوع الصلح و المصالحة و كما قلت بداية فإن الأمر مرهون بنا كثورة تخوض صراعا شرسا معقدا ضد النظام الطائفي المجرم وداعميه والعملاء والخونة والمتسلقين، الذين لا هم لهم سوى تحقيق مصالحهم الخاصة ولو على حساب كل هذا الخراب والدمار والتهجير والدماء، فمصلحتهم تسير وفق (ففتي ففتي ) وتحقيقها مع النظام او بدونه فلا فرق لديهم.. وهذا ما اظهرته كل المجريات السياسية والعسكرية والتنظيمية التي انخرطوا فيها، لذا كانت مخرجاتهم لصالح الثورة سلبية بل بالناقص السالب عدة درجات لصالح النظام الطائفي القاتل المجرم.
والجدير بالذكر بأن للأطراف الدولية الحق في طرح مبادرات الصلح وخاصة الدول التي على تماس مباشر مع قضية الثورة السورية، ولكن قبول هذه المبادرة او تلك بغض النظر مرتبط بقبول اطراف الصراع بها.
و هنا اقول جازما بأن الثورة والثوريين والأحرار والحاضنة الثورية لن تقبل بأي يصلح يؤدي لإجهاض الثورة والقضاء عليها وهذا ما لمسناه عيانا وعلى أرض الواقع في الشمال السوري من هبة شعبية عارمة أدانات ما صرح به وزير الخارجية التركي تشاووش أوغلو حول طرحه بأن علينا ان نسعى للمصالحة بين النظام والمعارضة، و هنا أقول قد ينجر بعض ممن ذكرتهم تلميحا لذلك او لغيرها من المبادرات الدائرة في نفس المحور، و لكنهم لن يعبروا او يمثلوا الثورة و رغبة الحاضنة الثورية، التي لن تتراجع إلا بالقضاء على النظام الطائفي القاتل المجرم و العصابة المجرمة التي تسيره، و ستعمل بكل ما أوتيت من قوة على إقامة دولة الوطن و المواطن و القانون.
و من يلوم او سيلوم فليوجه لومه على من سينخرط بمشروع او طرح لا يحقق مصلحة الثورة ولا أهدافها مع العمل الجاد بكل الإمكانيات لانتصار الثورة.