ظلت الصين، لأكثر من عقد من الزمان، المورد الرئيس للمكونات الصيدلانية الفعالة في العالم. فمنذ انضمامها إلى منظمة التجارة العالمية في عام 2001، شهدت صناعة الأدوية في الصين نموا ملحوظا.
ففي عام 2021، استحوذت على 12% من سوق الأدوية العالمية، لتحتل المرتبة الثانية بعد الولايات المتحدة في سوق الأدوية -من حيث حصتها من السوق- وليس فقط بل أصبحت أيضًا تنتج حوالي أربعة بالمائة من الأدوية الجديدة في العالم.
ارتفع حجم نشاط تصنيع الأدوية في الصين بمعدل نمو سنوي مركب قدره 1.6% ليصل إلى 191.7 مليار دولار على مدى السنوات الخمس الماضية، بما في ذلك معدل نمو قدره 3.2% في عام 2023 ومن المتوقع أن تنمو الصناعة بمعدل نمو سنوي قدره 5.82% خلال الفترة من (2024-2029)، مما يؤدي إلى زيادة حجم السوق ليصل إلى 155.90 مليار دولار أمريكي بحلول عام 2029.
ويرجع هذا النمو السريع في سوق الأدوية إلى زيادة الاستثمار الحكومي في الرعاية الصحية وكذلك تنامي الطبقة المتوسطة، فمنذ عام 2022، ارتفع عدد الموظفين الذين يحصلون على التأمين الطبي الأساسي إلى 362.4 مليونًا.
أما بالنسبة لإيرادات صناعة الأدوية نجد أن الصين حققت إجمالي إيرادات تزيد على 3.36 تريليونات يوان في عام 2022، وهو ما يمثل نموًا سنويًّا بنسبة 5% كما هو موضح في الشكل (10)،ومن المتوقع أن يحقق إيرادات قدرها 117.50 مليار دولار أمريكي خلال عام 2024، كذلك تجب الإشارة إلى أن خلال جائحة كوفيد-19، لعبت صناعة الأدوية الصينية دورًا حاسمًا في الاستجابة العالمية.
حيث كانت الصين في طليعة الدول التي طورت لقاحات كوفيد-19 حيث ضمت وحدها 14 فريقًا للبحث والتطوير، واستطاعت الوصول إلى العديد من اللقاحات مثل CoronaVac من شركة Sinovac وBBIBP-CorV من شركة Sinopharm. وكانت هذه اللقاحات جزءًا من جهود التطعيم العالمية، وخاصة في البلدان النامية.
نقطة التحول
لقد تغيرت صناعة الأدوية في الصين على مدار السنوات العشر الماضية من كونها قاعدة صناعية إلى مركز استراتيجي للبحث والتطوير. ولا تزال الحوافز الحكومية قائمة لتشجيع تكامل البحث والإنتاج والمبيعات مع التقنيات الناشئة، مما يضع البلاد كلاعب رئيس في سوق الأدوية العالمية.
حيث قدمت الصين ممارسات التصنيع الجيدة لأول مرة في عام 1988 حتى آخر نسخة في عام 2010، ثم أصدر مجلس الدولة الخطة الخمسية الثانية عشرة للسلامة الدوائية (2011-2015) والتي شددت على رفع معايير وجودة المنتجات الدوائية للوصول إلى المستوى العالمي المتقدم.
وفي عام 2015، قامت الصين بتحديث نظام مراجعة الأدوية والموافقة عليها، وتم إنشاء أربع قنوات تسريع لتسريع إطلاق المنتجات المطلوبة بشدة. وفي الوقت نفسه، تم تنفيذ نظام حامل ترخيص تسويق الأدوية (Marketing Authorization Holder – MAH)، والذي فصل بين البحث والتطوير وإنتاج الأدوية، مما أدى إلى تحسين كفاءة الابتكار في الصناعة.
هذا النظام سمح بمرونة أكبر في التسويق، حيث يمكن للأبحاث والتطوير والإنتاج أن تتم بشكل مستقل، مما يسهم في تعزيز الابتكار ويسرع من إدخال الأدوية الجديدة إلى السوق.
وفي السنوات الأخيرة، تم تقليص الفترة الزمنية اللازمة لإدراج الأدوية المبتكرة في القائمة الوطنية لأدوية السداد، من 4 إلى 5 سنوات سابقًا إلى مجرد عام واحد بعد الحصول على الموافقة.
وفي الوقت نفسه، أنشأت الصين منطقتين رائدتين(منطقة هاينان، ومنطقة خليج قوانغدونغ – هونغ كونغ – ماكاو الكبرى) لتسريع دخول الأجهزة الطبية التي تشتد الحاجة إليها في السوق الصينية، وتقليل تكلفة البحوث السريرية لشركات الأدوية وتسريع تسويق المنتجات.
في عام 2022، أصدر مركز تقييم الأدوية أكثر من 100 دليل توجيهي ومسودة استشارات متعلقة بالبحث والتطوير في مجال الأدوية. وقد تم تنظيم إجراءات التجارب السريرية للأورام والأمراض النادرة، ونتيجة لذلك من المُتوقع نمو السوق بسرعة تبلغ حوالي 40% بحلول عام 2025، ليصل إلى 6.4 مليارات دولار أمريكي، كما هو موضح في الشكل رقم 11.
شهدت الصين نموًا ملحوظًا في الإنفاق على الأدوية، حيث ارتفع من 103 مليارات دولار في عام 2014 إلى 163 مليار دولار في عام 2023.
كان هذا النمو مدفوعًا بشكل أساسي بالمنتجات الأصلية ذات العلامات التجارية من الشركات متعددة الجنسيات، والتي من المتوقع أن تستمر في النمو بنسبة 7.5% سنويًا خلال السنوات الخمس المقبلة. في المقابل، ستنمو المنتجات الأخرى بمعدلات أقل تصل إلى 6% أو أقل. وبحلول عام 2028، يُتوقع أن يتجاوز الإنفاق على الأدوية 197 مليار دولار.
وبالنسبة للكيانات الكيميائية والبيولوجية الجديدة في الصين، فنلاحظ أنها شهدت نموًا سريعًا في السنوات الأخيرة، حيث وصلت إلى 50 مؤسسة خلال الفترة من 2018-2022 (انظر الشكل 13).
الدروس المستفادة من التجربة الصينية
قدمت صناعة الأدوية الصينية العديد من الدروس القيمة للبلدان النامية لتعزيز قطاعاتها الصيدلانية. أولًا، لعب الدعم الحكومي والسياسات الداعمة دورًا حاسمًا في نمو الصناعة، بما في ذلك التحديثات المنتظمة لقائمة الأدوية الوطنية والاستثمارات الكبيرة في البنية التحتية للرعاية الصحية.
ثانيًّا، أدى التركيز على الابتكار والبحث والتطوير إلى زيادة الإنفاق في هذا المجال، مما يمكن البلدان النامية من خلق منتجات أصلية وتقليل الاعتماد على الأدوية الجنيسة.
ثالثًا، ساعد بناء القدرات المحلية في تقليل الاعتماد على الواردات وتعزيز الاكتفاء الذاتي. رابعًا، ساهم تبني التقنيات المتقدمة مثل التكنولوجيا الحيوية والذكاء الاصطناعي في تحسين الكفاءة التشغيلية وتطوير الأدوية.
وأخيرًا، ساعد التعاون الدولي في الوصول إلى الأسواق العالمية والحصول على تقنيات جديدة، مما يعزز من النمو الاقتصادي ويشجع تصدير المنتجات الصيدلانية.
التعلم من تجربة الصين يمكن أن يساعد البلدان النامية في صياغة استراتيجيات فعالة لتعزيز صناعاتها الدوائية وتحسين نتائج الرعاية الصحية والمساهمة في النمو الاقتصادي أيضًا.