أدب مجتمع

إنها الصدف التي تقودها الأقدار.. أو أكثر

بقلم: حسن فياض

الصدف…التي تسوقها الأقدار لاتحتاج لجهد وعناء لضبط الوقت وتحديد المكان لتجمعني بيوسف المولود الشرعي للنكبة بتركتها وأوزارها الثقيلة إبن المخيم تفاصيله، مفرداته، حكاياه وذاكرته.

ذلك الطفل الذي كان قبل أربعين عاماً مضت يركل بقدميه شبه العاريتين معلبات اللحمة والسردين الكثيرة الفارغة التي كانت توزعها وكالة الغوث إعاشات على جموع الاجئين..بائع البليلة شتاءً….والأسكا صيفًا وينتظم حضوره على مقاعد الدرس.

يوسف :الذي كبر بسرعة فالتحق بصفوف الثوار وقواعدهم في جنوب لبنان فيمابعد.معاندا إتجاه الرياح،بؤس اللجوءوفقره طارقًا أبواب الحرية والخلاص.قارع العدو في أكثر من نزال وموقع ومعركة، ووشمت الشظايا والجروح جسده بأوسمة البطولة والكرامة، غادر بيروت مع المقاتلين الذين خرجوا منها عام1982 ليُصلب على معابر العروبة وإتساع البلاد.

تلك الثورة المغدورة التي استبدلوها بالثروة!!! …وفي حروب الأخرين التي لم ينجوا أحدا منّا منها…كل الإصابات بليغة…الوحدةوقسوتها، أسر المنافي والعزلة،ثقل الليل وشاهق قامته ،همهة الضجر…

يوسف:يعرف جيداً كيف يروض أحزان المنافي اللجوء العاثرويمسك بلجامها ويعيد ضبطها بشكل ساخر متهكمًا…ليحدثني عن ذلك الطابور الطويل الحاشد بالشيوخ والأطفال الصغار، الذي كان بينهم منتظرين إستلام بقجة اللوثري التي تبرعت بها دول الغرب لوكالة الغوث ليتم توزيعها على الاجئين في المخيم يبتسم يضحك ثم يقول ليّ:

لقد زرعت السماء بالدعاء ذلك اليوم أن احظى بحذاء في تلك الصرةالتي طال إنتظارها .

لم يكن بكامل الخشوع فحظي بفردة واحدة لم يُفرط بها وانتعلها. للمخيم الذي ولدنا من رحمه واحتضن أعمارنا،قلوبنا، ذكرياتنا وقع خطانا واثارها… للبيوت بأهلها…للأصوات الدافئة التي تنشي السمع رهيفًا وتصل القلب فيبتل جفاف العروق.

كل ما يليق من حنين…واشتياق .. مقام ..وكلام..

يوسف :أطلق سراح الكلام..َ

وَغني..

كل غنائك الحزين…!