أدب

إنها الذكريات.. تنهال سيلاً من وجع

بقلم: أ.حسن فياض

مدرسة بئر السبع الابتدائية المجاورة لضفة النهر ؛ والمكونة من دورين هي المدرسة التي تلقيت بها تعليمي الابتدائي وكان مديرها ذلك الوقت ( قاسم شاهين. أبو محمود ) في صندوق الذاكرة عن تلك المرحلة احداث كثيرة لايتسع لها هذاالمنشور لكن أكثر حدثين حضوراً في الذاكرة هما :

– اول فيلم يتسنى لنا مشاهدته ذات مساء صيفي في الهواء الطلق عن طريق عربة الأفلام المتنقلة التابعة لدائرة التربية من خلال الشاشة البيضاء الكبيرة ذات الإطار الأسود العريض والمثبتة على الحائط المواجه لمدخل المدرسة.

– الحدث الثاني زيارة رئيسيّ جمهوريتي تونس والسودان ولا اتذكر إن كانت تلك الزيارة إلى المخيم والاطلاع على احوال ساكنيه أم كانت لمكان آخر ومن ثم التعريج عليه.

حيث خرج اهالي المخيم عن بكرة ابيهم لإستقبالهم وكان اللقاء في باحة المدرسة، صعد الرؤساء إلى شرفة الدور الثاني مع مرافقيهم وكان في استقبالهم عند برندة الدور الثاني الشاعر صلاح الصيد رحمه الله ملقيًا حينها قصيدة ارتجالية طويلة بنفس الثائر والمنكوب بأغلى مايملك .

في الصف الخامس الابتدائي، كانت لي اول رحلة مدرسية والتعرف على مدينة الياسمين دمشق الفيحاء وزيارة معمل الغزل والنسيج من خلال إدارة المدرسة.. وبالباص الذي يقل المدرسين الذي كنا نطلق عليه اسم (القرعة) كون الباص املس السطح الخارجي ولا إطارات خارجية تحدده.

اذكر أن راتب المعلم أنذاك مائة وخمسين ليرة سورية لاغير، وكان بحوزة معظم التلاميذ مصروف من اهاليهم لتلك الرحلة والزيارة ليرة أو ليرتان سوريتان ويعتبر ذلك مبلغ كبير آنذاك.

انهينا زيارة المعمل وتعرفنا على الآت الغزل والنسيج وعملية الحياكة، لم يتسن لنا التجول بالمدينة عدنا بالباص إلى المخيم وبعد الوصول مباشرة، ذهبنا للعب الدحاحل( اشترينا قلال ، دحاحل ) واخترنا مكان اللعب إلى جوار بيت المرحوم عارف قويدر أبو يحيى رحمه الله ..

كنّا أربعة اشخاص، تلميذ من تلاميذ صفنا يقيم بحارة بعيدة جداً، لم نرتح لوجوده بيننا ولا نعرف ما الذي جاء به إلى المكان الذي كنّا نلعب فيه.. وقف يراقب كل حركة وتصرف نقوم به ويرخي السمع لكل كلمة نتلفظ بها.

لم نكترث به، طال به الوقوف حتى اصابه الملل وغادر.

في اليوم التالي داخل الصف نادى علينا المعلم بالأسم نحن الاربعة.

كان صفنا في الدور الثاني، طلب منا اللحاق به ولانعرف ما الأمر، لحقنا به وعند ميدة الدرج وقف وصاح على آذن المدرسة “أبو نمر” رحمه الله، الذي كان جالساً على كرسي خشبي قريب من جدار أحد الصفوف في الدور الأول ينشد دفء أشعة الشمس قائلا له : أبو نمر معك شي( ألف ليرة )فراطة للشباب عشان يلعبوا قمار ؟!

ارتعدت اوصالنا، ارتجفت كل فرائضنا وتملكنا الخوف ويبدو أن المعلم كان منتشياً بصيده الثمين الذي سيقدمه للمدير أبو محمود شاهين والذي قدمه له ذاك التلميذ الواشي السيء.

تبعنا معلم الصف كالخراف المساقة للذبح، دخل امامنا غرفة المدير وتكلم معه ونحن على باب الغرفة وبعد أن أنهيا الحديث، طلب منا المعلم الدخول والوقوف جانب الحائط ولم يغادر.

أذكر في غرفة الادارة دلو معدني وبه ما يقارب العشر عُصيّ، أقسم أن كل تلك العصي تكسرت على ايدينا، اضلاعنا، وكل جوانبنا صدقوني الأربعة تقيمهم في الصف من ضمن التلاميذ الجيدين لم ينته الأمر عند ذلك بل طلب منا إحضار أولياء أمورنا وهذه حلقة عذاب أكبر .

أذكر هذه الواقعة وأنا في هذا العمر واتابع هذا التلميذ السيء الواشي الذي كَبر الآن وصار جدّ وترقى مخبرا كبيرًا يصول ويجول ، يفتري ويودع ابرياء في تقاريره الكاذبة والكيدية وأتذكر ابناءنا احبتنا المعتقلين وحرائرنا في المعتقلات وأقول: في البيت تزرع بذرة الوشاية وحين تجد هذه البذرة بيئة مناسبة تنمو.. تكبر.. تتكاثر؟!