بقلم: عبد الكريم محمد
كثير من الصغار يحبون أن يكونوا أبناء للملوك والرؤساء، وهنا لا أقصد الأبناء الذكور، لأني لست ذكورياً ولا أؤمن بتفوق الذكر على الانثى بشيء على الإطلاق.. سوى المقولات الجهنمية، التي لا تجد لها دليلاً في الواقع..
المهم هذه الأمنية لم تشدن يوماً، ولم أتمن أن أكون ابناً لأحد من هؤلاء على الإطلاق، لأن ذاكرتي امتلأت من صغري، أن هؤلاء جواسيساً وليسوا منا.. بل ليس لهم أصولاً أو قبائلاً مثلنا.. بل ليسوا بشراً كباقي البشر.
كنت يومها منشغلاً برائحة الخبز والوقادة، التي كانت تجمع كل نساء الحي حولها، وأرتالاً من الأولاد، التي تعبث حول أكوام الشيح.. بل ما كان يجمعنا هي نظرية بافلوف، لكن بدلاً من اللحمة، كانت الأرغفة التي توزع قطعاً بالتساوي.. مثل كعك العيد.
كانوا يقفزون من فوق الحفر والأخاديد، ومن يقوى على القفز دون أن يسقط بالحفرة، أبوه عبد الناصر..
أما أنا كنت أحلم بقدر الفاصولياء، والرز وأرغفة الخبز الساخنة.. كنت أحلم كما يحلم الصياد المعوز المتعطش للرزق، باصطياد قطعة صغيرة من اللحم.. كنت مضطراً لأكون غطاساً ماهراً.. خاصة وأن نصف الوقية من اللحم، تشغلنا أكثر ما تشغلنا قضية فلسطين.. وقضايا الأمة المهزومة على الدوام.
كانت تلك اللحظة مقسومة من لحظات الجنة، كنصف الرغيف الذي خرج من الوقادة للتو.. بل كانت هي غاية الحلم، أن نغوص بالفاصولياء الباردة وقد فت في حبها، لتصبح الترياق عينه.. بعدها كانت أمي تعلمنا الدعاء.. بسجيتها، الله يديم النعم.. ونرجع لبلادنا عما قريب.