سياسة

أبشع وسيلة تحت مسمى الممارسة الديمقراطية هو الاستفتاء

بقلم: د. أحمد خليل الحمادي

فلا خيار للإختيار، وأمام المستفتى إختيار أحد الكلمتين ( نعم ، لا )، ولن يشارك فيه إلا من سيختار نعم، و في العموم قد يتم استجلاب الناس بالقوة أو خوفا منها رغما عنهم للمشاركة، و نتيجته مقررة مسبقا وتفوق ٩٠٪ وخبره الإعلامي عن النتيجة صيغ قبل حدوثه بفترة طويلة وينتظر الصناديق شكليا كعملية متممة حتى يذاع و ينشر، و لقد أكتوينا في سورية بنيران طبخته طيلة سنوات حكم الهالك حافظ وأول حكم الأهبل فكانت الدماء تستصرخ على أوراق الاقتراع بأن سورية قد بيعت و تحولت مزرعة للعصابة الطائفية المجرمة بزعامة المجرم الأكبر زعيم العصابة، لذا كان يطلق على تلك الاستفتاءات تسمية البيعة دون ان يدفع مستحقاتها، و إنما حصل عليها بالقوة السلطوية و الغطرسة و العنف و القتل و الإجرام، و كانت السجون الذي يختفي فيها كل من يتجرأ على قول كلمة تخالف توجه النظام الطائفي القاتل المجرم بمدة مفتوحة غير معروف سقفها الزمني .
و بالعودة للاستفتاءات التي جرت في الأقاليم الأوكرانية الأربعة، لم يكن تذكير بوتين بانهيار الإتحاد السوفيتي عبثا بل كان بدافع ربط انسلاخ هذه الأقاليم و استقلالها ضمن دولة جديدة بعد التفكك و هي أوكرانيا ، و ليقول بأن لسكان هذه الأقاليم تطلعات و ميول وطنية نحو الإتحاد الروسي وريث الدولة السوفيتية ، لذا جرى الاستفتاء ليعبر سكانها عن رغباتهم الوطنية ، و هذا برأيه ما حدث حيث عبر سكانها بنسب تفوق ٩٦٪ بحسب كل إقليم ، عن رغبة سكان كل منها للإنضمام إلى الإتحاد الروسي و الإنسلاخ عن أوكرانيا ، و لكن في أي ظروف حدث هذا الاستفتاء ؟
لقد حدث في ظل الحرب العدوانية التي فرضتها روسيا لابتلاع أوكرانيا كاملة حيث حاولت السيطرة على عاصمتها كييف و فشلت بعد مقاومة شرسة حطمت قواها العسكرية والبشرية الغازية والتي بدأت بالتراجع تحت وقع النيران الأوكرانية و تأكل واستنزاف قواتها العسكرية الغازية ،مما لم يمكنها من ابتلاع أوكرانيا كاملة، فتوجه الخيار الروسي نحو هذه الأقاليم لعله يتمكن من ابتلاعها كلقمة سهلة و تحت لعبة فجة مكشوفة بمسمى ديمقراطي وتحت عنوان عريض منا ينص عليه ميثاق الأمم المتحدة وحقوق الإنسان بما يعرف بحق تقرير المصير للشعوب.
ورأيي العلمي هنا بأن هذا الاستفتاء باطل بالمطلق و لا تترتب عليه أي آثار قانونية، لا بالقانون الوطني الأوكراني ولا القانون الدولي بفرعيه العام و الخاص، و لكن روسيا العدوانية بما إنها قامت بالاستفتاء كمبرر سياسي لضم الأقاليم الأوكرانية الأربعة تحت عنوان عريض وهو بأن سكان هذه الأقاليم قرروا بالاستفتاء الأنسلاخ عن الدولة الأوكرانية والاستقلال عنها والأنضمام للإتحاد الروسي وإقامة جمهوريات ذات حكم ذاتي تابعة لروسيا ، و ما تبع ذلك من إجراءات تشريعية و قانونية روسية حيث وافق الدوما الروسي ( البرلمان ) على إنضمام هذه الأقاليم للإتحاد الروسي والأخذ بنتيجة الاستفتاء وتبع ذلك مرسوم رئاسي من فلاديمير بوتين رئيس الدولة ليوقع على ما خطط له ونفذ كعملية تبيض الأموال بعد إجراءات وتشريع الدوما الروسي بهذا الخصوص و بذلك يصبح الضم و السلخ شرعي وقانوني روسيا وسيترتب عليه موجباته الوطنية الروسية حيث تحولت هذه الأقاليم جزءًا من الإتحاد الروسي.
ولكن كل ذلك بعد الإجراءات التشريعية و القانونية الروسية سيكون مرهونا بعدة أمور :
_ الاعتراف الدولي بذلك ، و لا أظن سيتم الإعتراف به دوليا إلا من عدة دول تدور في الفلك الروسي و لا يتجاوز عددها أصابع اليدين و بقوتها و مكانتها الدولية الهزيلة .
_ الموقف الأوكراني الرافض لذلك رفضا قاطعا و تعتبر هذه الأقاليم أوكرانية و هي جزء منها ككييف ذاتها ، لذا ستتابع صراعها مع روسيا حتى تحرير أراضيها المحتلة بكل الوسائل المتاحة لها وهذا ما ظهر من خلال موقف الرئيس الأوكراني الذي رفض دعوة بوتين للتفاوض بعد الاستفتاء و صرح برفض التفاوض مع روسيا وبوتين رئيسا لها .
_ استمرارية الدعم الغربي و الأمريكي و أصدقاء أوكرانيا لها و تزويدها بالأسلحة والذخائر المتطورة ذات التقنية الحديثة المتفوقة على الخردة الروسية والعائدة للعهد السوفياتي سيعزز جهودها في تحرير أراضيها المغتصبة تحت وقع الحديد والنيران الذكية.
_ و عوامل أخرى نكتفي بما سبق لعدم تشعيب الموضوع .
وهنا أقول حول استفتاءات السلخ و القطع و التمزيق عموما و منها التي يمكن أن تحدث مستقبلا في سورية و حدثت سابقا في إقليم كردستان العراق:
أي استفتاء إقليمي لتقرير مصير أي إقليم بالمفرد أو بالجملة و ليس عاما و لا يشارك فيه كل سكان الدولة هو استفتاء باطل و غير تشريعي و ليس بقانوني و مفروض بقوة القوى المهيمنة على هذا الإقليم ، ولا ينهي الصراع بل يجعله جامدا مؤقتا ريثما تتهيأ القوة اللازمة والظروف المناسبة للقوى الأخرى لتعد نفسها لإعادة تفجير الصراع مجددا لعودته لحدود الدولة الأصلية، وأقول بفصيح العبارة دون أي تورية وبفجاجة :
إذا أنصار روج أفا أو غيرهم حاولوا إجراء استفتاء لسلخ هذا الإقليم أو ذاك عن سورية دون رغبة السوريين عموما باستفتاء مناطقي ضيق دون رغبة السوريين وبدون أي استفتاء عام وشامل يشارك فيه كل السوريين فهو باطل بالمطلق وهذا يعني بأن من قام به قد خلق صراعا شاملا عليه بما فيه الصراع العسكري الذي سيطحنه طحنا و لن يتنهي حتى يحسم بعودة الإقليم إلى سورية، فما تريده الثورة السورية سورية موحدة قوية منيعة ولكل السوريين تقام فيها دولة الوطن والمواطن والقانون بعد الخلاص من النظام الطائفي القاتل والعصابة المهيمنة على مقدرات الدولة التي مارست اغتصاب حرية و كرامة الجميع.