بقلم: عبد الكريم محمد
بدأت الكثير من وسائل الإعلام ومراكز الدراسات، تشيع مقولاتها إنطلاقاً من تعميمها لتصبح واقعاً مألوفاً عن الشعوب.. وأن أهم هذه المقولات أو إذا شئت التوقّعات على الإطلاق، هي تلك التي اعتبرت أن عدد الدول المستقلة في العالم سيصل من 200 إلى 300 خلال العقود القادمة. وهذا التوالد للدول سيتم عبر عملية الانشطار.
حيث يبرر بعضهم ذلك بالاعتقاد القائل، أن الدول تمر بمرحلة «أزمة ما بعد الاستعمار» فالعديد من الدول ولدت من مستعمرات سابقة، وشهدت فساداً وانفجاراً سكانياً وبنى تحتية متداعية.. كما عانت من وصول ديكتاتوريات إلى الحكم وهو ما يفسر التقلبات الفجائية بالبلاد العربية.
ويعتبرون أن الحدود القائمة هي من أهم مسببات الصراعات الداخلية في اليمن وباكستان وأفغانستان والكونغو، ويصنّف الحرب في العراق وأفغانستان على أنها ليست حروبا أميركية بالخالص، بل إن تلك الدول هي بمثابة ذخائر غير متفجّرة خلقتها الحروب الأوروبية وأشعلت أميركا فتيلها.
هؤلاء صناع السياسات هم من يطالب، أميركا والقوى العظمى بتلافي أخطاء تقسيم الحدود القديمة بضرورة رسم حدود جديدة بموافقة الأمم المتحدة، وتشييد بنية تحتية تؤمن أسسا اقتصادية سليمة، بما يحرر شعوب المنطقة من الاعتماد على الجيران الأقوياء.
وبعضهم ذهب بالاعتقاد إلى أبعد من ذلك، حيث يرى أن الخريطة قد أستكمل رسمها وأن القادم سيكشف النقاب عن دول مستقلة جديدة أو متجددة كجنوب السودان وكردستان وفلسطين وبرقة بشرق ليبيا وجنوب اليمن.
ولا يخفون من أن هناك مخطّطات لتقسيم سوريا إلى دويلات للسنة والعلويين والدروز ومختلف الطوائف والإثنيات التي تشكّل الدولة السورية، التي تشهد صراعا اليوم حيث أضحى أكثر دموية وخطورة، لكن بالمقابل، ستكون المخططات أعمق تستهدف تغيير المنطقة ككل. وهذه التقسيمات ستقوم وفق شعار مبدأ حق تقرير المصير.
وللحقيقة والتاريخ، أن هذه الخطة التقسيمية، تدخل في صلب منهج السياسة الإسرائيلية، حيث قال ذات يوم “ألوف بن” رئيس تحرير صحيفة هآريتس الإسرائيلية، أنه كلما زاد عدد الدول في المنطقة كلما سهل على اسرائيل المناورة بينها.
وللحقيقة أيضاً، أن هذا التوجّه بدأ مع غزو العراق بسحق النظام المركزي للدولة وفرض جيوب عرقية، تلاه الانسحاب الإسرائيلي من قطاع غزة وفرض حركة حماس سيطرتها وإقامة دولة الأمر الواقع، ومن ثمة جاء الاستفتاء على تقسيم السودان على ركام حرب داخلية طويلة وقاسية.
إثر ذلك تمّ التسريع في وتيرة هذه العملية مع ولادة الربيع العربي، الذي قتل في مهده لقطع الطريق على الأهداف السامية التي قد يفرضها إقليميا ودولياً، ويفوت الفرصة على الاستمرار قدماً في هذه الاستراتيجية الجهنمية المعدة للقرن الواحد والعشرين.
وهذا هو السبب الحقيقي الذي دفع إسرائيل وأمريكا والغرب، لإفشال كل الثورات الشعبية التي قامت في مصر وتونس وليبيا واليمن وسورية، ليسهل عليهم بعد ذلك عملية القسمة، لا أكثر..
وكل من ساهم في افشال الثورات الشعبية العربية، هو عميل وشريك في هذه العملية الجهنمية، وهنا لسنا بصدد إدراج الأسماء القذرة لأسماء هذه الحكومات العميلة التي تتبنى شعارات دينية تحررية وقومية وعروبية..