ثقافة

بوتين يذكرنا بشمشون الجبار.. سيهدم القصر على نفسه ومن حوله

بقلم: إياد مصطفى

قد لا نقوى على تكذيب قوة شَمْشُون الجبار، الذي تَخافُه الرِّجالُ والسِّباعُ. حتى الثيران حسبت لقوة ذاك الشمشون الذي لوى عنق شيخ الثيران المتوحش..

حتى النمور التي كانت تبحث في الغابة عن صيد سمين، اصطادها شمشون الجبار، وركب الكركدن “وحيد القرن”.. بعد أن لوى عنقه..

بل ركب ظهر الأسد بعد أن اصطاده بدافع الخوف على جميلة، أخت حبيبته دَلِيلَةُ، التي ضاعت كل قوته أمامها وارتجفت قدماه قبل قلبه من شدة الحب والثقة التي يكنها لدليلة..

لم تخف جميلة ذاك الفرح الغامر وما أن رَجَعَتْ إِلَى الْبَيْتِ، حتى قصت لِأُخْتِها دَلِيلَةَ الحكاية.. دليلة لا تترك مناسبة تفوتها، كل عرس لها به قرص، بدورها سارعت ببرقيات الشكر والامتنان لشمشون على معروفة.. حتى جميلة لم تتوقف عن رسائل العرفان والامتنان، أقلها:” لا نَنْسَى جَمِيلَ شَمْشُونَ”.

بينما شَمْشُونُ رد بغي مغلف بالتواضع والشعور بالقوة والعظمة قالَ: عَمِلْتُ الْواجِبَ الملقى عَلَيَّ.

السلطان الماكر الحاسد يَكْرَهُ «شَمْشُونَ»، لما يمتلك من قوة جبارة، حتى ذاق ذرعاً منه، وبدأ بالتفكير جدياً التخلص منه بأسرع وقت.

بالتأكيد الحاشية والوزير جل همهم صناعة وتدبير المؤامرات الدنيئة، قالَ الوزير: «بِالْحِيلَةِ نَغْلِبُ «شَمْشُونَ». وليس لنا بداً من «دَلِيلَةُ» الْمَكَّارَةُ نَسْتَعِينُ بِها عَلَى «شَمْشُونَ». فحِيلَةُ الْمَكَّارِ، تَغْلِبُ قُوَّةَ الْجَبَّار.

تنفس السُّلْطانُ الصعداء وأمر اِلْوَزِيرِ على وجه السرعة بالقول: هَاتِ لِي دَلِيلَةَ.

لم تتأخر دَلِيلَةُ فقد جاءَتْ إِلَى السُّلْطانِ، على ظهر نَعَامَةً.. وما أن رأها السلطان حتى حَمْدُ اللهِ عَلَى السَّلامَةِ. فقال: هاتِي لِي «شَمْشُونَ» بِأَيِّ وَسِيلَةٍ. الْقُوَّةُ لا يَغْلِبُها إِلاَّ الْحِيلَةُ. قُوَّةُ «شَمْشُونَ» تَغْلِبُها حِيلَةُ دَلِيلَةَ.

كان جواب دليلة أسرع من الريح، قالَتْ: كَلامُكَ مَعْقُولٌ، رَأْيُكَ مَقْبُولٌ.. اليوم دخلت دليلة المعركة مع شمشون الجبار، فقد ربطته بحبل وهو نائم.. وما أن صحي من نومه، وهو مكبل.. حتى فتح ذراعيه ليقطع الحبل.

شَمْشُونُ نظر «لِدَلِيلَةَ»، وَهُوَ مُتَعَجِّبٌ!.

دَلِيلَةُ قالَتْ: أَنا فَرْحانَةٌ بِكَ. امْتَحَنْتُ قُوَّتَكَ، لَقِيتُكَ أَقْوَى مِنَ الْحَبْلِ.

ذهبت دَلِيلَةُ لِلْحَدَّاد ليصنعِ لها سِلْسِلَةَ حَدِيدٍ.. أخذت السلسة وانتظرته حتى نام، رَبَطَتْ شَمْشُونَ بِالسِّلْسِلَةِ الْحَدِيدِ.

ظنت دَلِيلَةُ أنها غَلَبْتُ «شَمْشُونَ، وأن شَمْشُونُ لن يَقْوَى عَلَى كَسْرِ الْحَدِيدِ. كالعادة فاق من نومه

مِنْ نَوْمِهِ صباحاً.. فَتَحَ ذِراعَهُ، كَسَرَ سِّلْسِلَةَ الْحَدِيدَ.

شَمْشُونُ سَأَلَ دَلِيلَةَ: أَنْتِ قَيَّدْتِنِي بِالسِّلْسِلَةِ؟

دَلِيلَةُ قالَتْ: أَرَدْتُ أَنْ أَعْرِفَ قُوَّتَكَ. كَتَّفْتُكَ بِالْحَبْلِ قَطَعْتَهُ، قَيَّدْتُكَ بِالْحَدِيدِ كَسَرْتَهُ.

أَنْتَ أَقوى مِنَ الْحِبالِ والْحَدِيدِ يا شَمْشُونُ.

شَمْشُونُ وَدَلِيلَةُ فِي مَرْكَبَةٍ يَجُرُّها ثَوْرانِ.

دَلِيلَةُ فَرْحانَةٌ، وَشَمْشُونُ فَرْحانٌ.

دَلِيلَةُ قالَتْ لِشَمْشُونَ، وَهُما راجِعانِ:

أَنْتَ يا شَمْشُونُ أَقْوَى مِنَ الْأُسُودِ والثِّيرانِ! أَنْتَ أَقْوَى الْأَقْوِياءِ، أَنْتَ أَشْجَعُ الشُّجْعانِ! مِنْ أَيْنَ جاءَتْكَ الْقُوَّةُ يا فارِسَ الزَّمانِ؟

شَمْشُونُ انْخَدَعَ بِكَلامِ دَلِيلَةَ الْمَكَّارَةِ.

شَمْشُونُ قالَ: شَعْرِي سَبَبُ قُوَّتِي، سِرُّ شَجاعَتِي. شَعْرُ «شَمْشُونَ» أَقْوَى مِنْ «شَمْشُونَ». «شَمْشُونُ» مِنْ غَيْرِ شَعْرِهِ أَضْعَفُ إِنْسانٍ.

دَلِيلَةُ اكتشف السر الغامض وانتظرت على أحر من الجمر، حَتَّى نامَ شَمْشُونُ. المهم قيدت شَعْرِهِ، وَهُوَ نائِمٌ.

صَحِيَ، وَهُوَ مُكَتَّفٌ بِشَعْرِهِ.. لحظتها عَرَفَ أَنَّ «دَلِيلَةَ» غَدَرَتْ بِهِ. لا يَقْدِرُ أَنْ يَفُكَّ نَفْسَهُ.

بدى الفرح على محيا دَلِيلَةُ، بتغلبها عَلَى شَمْشُونَ.. دَلِيلَةُ أَخْبَرَتِ السُّلْطانَ أَنَّها قَيَّدَتْ شَمْشُونَ.

طار السلطان من عبائته وعمامته فرحاً، ليعطي الأَوامَرَ بِحَبْسِ شَمْشُونَ.

جَمِيلَةُ عَرَفَتْ ما عَمِلَتْهُ أُخْتُها دَلِيلَةُ.. جَمِيلَةُ لا تَنْسَى مَعْرُوفَ «شَمْشُونَ» مَعَها. فهو من خلصها من بين أنياب الأسد.

كان قرار جَمِيلَةُ الجميلة أَنا ستُخَلِّصُ «شَمْشُونَ» مِنَ الْحَبْسِ. أَسْرَعَتْ إِلَيْهِ بِاللَّيْلِ، والسَّجَّانُ نائِمٌ.

حَلَّتْ شَعْرَ شَمْشُونَ.. ليخرج مِنَ السِّجْنِ إِلَى قَصْرِ السُّلْطانِ.. قبل أن يدخل سَمِعَ كَلامَ «دَلِيلَةَ» والْوَزِيرِ مَعَ السُّلْطانِ.

السُّلْطانُ قالَ: نَقْتُلُ شَمْشُونَ، وَنَسْتَرِيحُ مِنْهُ.

الْوَزِيرُ قالَ: نُعَلِّقُهُ بَدَلَ الثَّوْرِ فِي الطَّاحُونِ.

دَلِيلَةُ قالَتْ: قُصُّوا شَعْرَهُ، تَأْمَنُوا شَرَّهُ.

السُّلْطانُ قالَ: رَأْيُ «دَلِيلَةَ» أَحْسَنُ رَأْيٍ.

شَمْشُونُ هذا الجبار خَدَعَتْهُ الْحِيلَةُ. ليغَلَبَهُ مَكْرُ دَلِيلَةَ.

اشْتَدَّ بِهِ الْغَضَبُ، أَرادَ الِانْتِقامَ.. شَمْشُونُ قَوِيٌّ بِشَعْرِهِ، لَكِنَّهُ ضَعِيفٌ بِعَقْلِهِ.

السُّلْطانُ والْوَزِيرُ وَدَلِيلَةُ يرتعدون خوفاً، أَمامَ شَمْشُونَ. كُلُّهُمْ لا يَتَحَرَّكُونَ، لا يَنْطِقُونَ.

اشْتَدَّ غَيْظُهُ مِنْهُمْ، أَصابَهُ جُنُونٌ.. مِسْكِينٌ «شَمْشُونُ»، مَساكِينُ أَعْداءُ شَمْشُونَ.

زَحْزَحَ أَعْمِدَةَ الْقَصْرِ بِيَدَيْهِ، هَدَّهُ عَلَيْهِمْ وَعَلَيْهِ.

ماتَ أَعْداءُ «شَمْشُونَ»، وَماتَ مَعَهُمْ شَمْشُونُ.