بقلم: عبد الكريم محمد
إياك أن ترى بالوطن حفنتة من تراب تتقاذفها الرياح كما تشتهي.. فالوطن حضن ترتمي إليه كما الأمومة.. ظهره صهوة، وجوفه دفئ القلوب التي حفظت أشلاء من رحلوا..
فقد قالها يوماً من يعرفون للوطن معنى، أن الأوطان قبلة لأهلها وخيمة تتآلف تحت سقفها القلوب.. لتحاكي النجوم ليلاً من ثقوبها.. ليتآخى فيه التراب والشجر والحجر مع البشر.
فاللوطن طعم الوجود وهيبة لأصحابه بلا حدود.. شجرة خضراء تكفي الناظر لجماليات الوجود.. ورائحة الطين كما البخور، لحظة ولادة كل مولود..
الوطن صورة الهامات السمراء، المرسومة بين شطري المدى.. مرآة صقيلة على وجه البحيرة.. صامتة تغالب الأمواج.. حتى لا يرحل الأحبة أو يسقطوا من الذاكرة مرة أخرى..
لا شئ يغنيك عن ما جبلت منه، أو يسلخك عن جلدك.. هو التقاء الروح مع الجسد الهش الذي ولد من العوسج، وقصب طبريا الحالمة بصباح البحيرة بيوم آخر..
الوطن هو ذاك الجبل، الذي صنع من نفسه صفة الأشياء التي لا تصنع.. فقد وحّد زرقة السماء مع الماء.. ليصنع بحراً سمي ببحر عكا أو حيفا أو يافا أو غزة.. ليترك لك متسعاً من الوقت كي تسمي الأسماء.. ماشئت.
كل الأواطن ليست كما وطني، فالتينة والزيتونة باقيتان فيه، ما بقي البشر.. لن نرحل بعيداً عنك رغم البعاد أيها الوطن.. لقد دقت ساعة العودة فلتنتظرنا الرسوم الدارسة.. التي ما تزال صفحة من تاريخ حكايتنا المتجدة فينا.. كما نحن أيها الوطن بركاناً من لوعة وغربة وحنين.