
كشفت صحيفة “وول ستريت جورنال” أن روسيا تسعى إلى إبرام صفقة مع الحكومة السورية للحفاظ على قواعدها العسكرية في سوريا، مشيرةً إلى أن المفاوضات تشمل استثمارات بمليارات الدولارات، وإمكانية تقديم اعتذار روسي للشعب السوري.
وقالت الصحيفة إن روسيا تحاول الحفاظ على وجودها العسكري في سورية عبر تعزيز علاقاتها مع الحكومة الجديدة في دمشق. ورغم دعمها الطويل لرئيس النظام المخلوع، بشار الأسد، تجد موسكو اليوم فرصة لتوسيع نفوذها السياسي والاقتصادي بعد انهيار نظامه وهروبه إلى موسكو.
وأضافت أن التردد الأميركي حيال سوريا “يمنح روسيا مساحة للمناورة”، إذ لم تحسم إدارة الرئيس الأميركي، دونالد ترمب، موقفها من الحكومة الجديدة، ما دفع حلفاء واشنطن الإقليميين، مثل السعودية وقطر، إلى تأخير تقديم الدعم المالي الذي كانوا يعتزمون منحه لدمشق.
في المقابل، سارعت روسيا إلى ضخ ما يعادل 23 مليون دولار بالليرة السورية، وفقاً للأسعار الرسمية، في البنك المركزي السوري، وهي خطوة تهدف إلى تعزيز نفوذها وسط الأزمة الاقتصادية في البلاد.
استثمارات واعتذار من دون تسليم الأسد
وذكرت “وول ستريت جورنال” أن موسكو تجري مفاوضات سرية مع دمشق، تتعلق بإبقاء القواعد العسكرية الروسية في سوريا، مثل قاعدة حميميم الجوية وقاعدة طرطوس البحرية. وتشمل المحادثات أيضاً استثمارات روسية بمليارات الدولارات في قطاعات الطاقة والموانئ.
كما تتضمن المفاوضات إمكانية تقديم اعتذار روسي عن دورها في القصف الذي استهدف المدنيين السوريين خلال الحرب. في المقابل، رفضت موسكو طلب الحكومة السورية تسليم رئيس النظام المخلوع، وفق مصادر أوروبية وسورية مطلعة على المفاوضات.
وقبل سقوط نظام الأسد، كانت سوريا أحد أبرز حلفاء روسيا في الشرق الأوسط، حيث امتلكت موسكو استثمارات كبيرة في قطاعي النفط والغاز. وتسعى موسكو الآن إلى استعادة تلك الامتيازات من خلال مشاريع تشمل تطوير ميناء طرطوس، واستغلال حقول الغاز والفوسفات، وبناء مصنع للأسمدة في حمص.
تقارب سياسي بين موسكو ودمشق
أما عن التقارب السياسي، فقد اكتسب زخماً عقب اتصال هاتفي أجراه الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، اتصالاً هاتفياً مع نظيره السوري، أحمد الشرع، ناقشا خلاله العلاقات السياسية والتجارية والاقتصادية، بما في ذلك استعداد روسيا لتحسين الوضع الاجتماعي والاقتصادي في سوريا. وبعد أيام قليلة، أرسلت موسكو طائرة تحمل أوراقاً نقدية سورية مطبوعة في روسيا.
كما وجه بوتين دعوة لوزير الخارجية السوري، أسعد الشيباني، لزيارة موسكو، ما يعكس رغبة روسيا في إعادة ترتيب علاقتها مع الحكومة السورية الجديدة وفق شروط جديدة.
وقالت “وول ستريت جورنال” إن الحكومة السورية حرصت على تقديم المفاوضات مع روسيا كجزء من سعيها للحصول على تعويض عن المعاناة والدمار اللذين سببهما دعم القوات الروسية للحملات القتالية التي كان يشنها نظام الأسد.
ووفق مصادر مطلعة، أكد المفاوضون السوريون أن الحكومة الجديدة تريد استعادة الأموال التي حوّلها النظام السابق إلى روسيا.
تنويع التحالفات خارج تركيا
من جانب آخر، تسعى الحكومة السورية إلى تنويع شركائها وتحالفاتها الدولية خارج تركيا، رغم أن أنقرة لعبت دوراً حاسماً في دعم المعارضة المسلحة التي أسقطت نظام الأسد. كما أرسلت وفوداً اقتصادية إلى دمشق، ونشرت قواتها في شمالي سوريا، إلا أن الحكومة السورية تبدي اهتماماً أكبر بتطوير علاقاتها مع روسيا، ربما لموازنة النفوذ التركي والإيراني في المنطقة.
وفي حين تحاول روسيا ترسيخ نفوذها في سوريا، تواجه تحديات دولية تعقد موقفها، لا سيما مع استمرار العقوبات الغربية عليها بسبب حربها في أوكرانيا. في الوقت نفسه، ترى الحكومة السورية في موسكو شريكاً محتملاً يساعدها على تأمين الاستقرار الاقتصادي والعسكري.
وأكد مسؤول سوري مطلع على المفاوضات مع موسكو أنه “رغم فظائع روسيا في القصف على المدن السورية، وإمداد النظام السابق بالسلاح، فإن السوريين يريدون فتح صفحة جديدة”.