بقلم: عبد الكريم محمد
بعيداً عن المواقف المسبقة، الممهورة بالتصنيفات الطائفية والمناطقية والجهوية والعشائرية، ما شهدته سورية من ويلات ومظالم وجرائم، لو كان قد كتب في التارايخ الموغل بالقدم لما صدقه أحد، ولقيل عنه بأنه مجرد تخرصات وتخيلات، وشيء من نتاج الخيال الخصب المتقد، باعتباره صور متخيلة بالذهن وحسب..
ليس هنا بيت القصيد، ما يهمني حقيقة القول، أن ما جرى في سورية من مذابح يندى لها تاريخ البشرية، لا يمكن لأحد القفز عنه بسهولة، بل لا يمكن لاتفاق قد يصاغ على الورق في هذه المدينة أو تلك، ولا بسوتشي أو جينيف ولا حتى في ردهات الأمم المتحدة..
فالشعارات التي ترفع والابتسامات التي يحاول توزيعها، بعضهم، عبر عدسات المصورين ووسائل الإعلام، ليست هي الحل، لأنها لا تتناول لب المشكلة.. خاصة وأن سورية والشعب السوري، يعيش تحت وطأة الداخل وشروط الخارج، منذ انهيار السلطنة العثمانية في العام 1916 وحتى يومنا الذي نعيش..
فالمشكلة في سورية، هي المحاولة الدائمة في الخروج عن المألوف، الهادف إلى تغييب الأكثرية، والعمل على تحويلها مجاميع سكانية أو كتل بشرية في خدمة المشروع الأقلوي المدعوم من الخارج..
والذي يرى بالأكثرية، ضيوفاً أو حملاً ثقيلاً على هذه الأقلية، انطلاقاً من قناعة مؤداها أنها الأقدر على صياغة الانظمة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وتأمين شبكة الامان للمجتمع، وما على الأكثرية سوى الانصياع لهذه المعادلة اليتيمة.. بل هي صاحبة الحظ الأكبر في تأمين جسور العلاقة مع الخارج، والحفاظ على مصالحة في الداخل.
أي أن هذه الأقلية انطلقت من فرضية، أن العالم لا يريد في سورية لهذه الأكثر أن تنتج نظمها، وأن الأقلية هي مطلباً نهائياً لهذه العالم الذي يقوى على رسم السياسات ويتحكم بمصائر الشعوب..
اليوم وقد وقعت الواقعة، وأصبحت سورية جنازة دائمة، عائمة على بحر من الدم والآلام، لم يعد بالامكان الانتقال السياسي وأن الضرورة النهائية، لا بد أن تخضع لآليات الفك وإعادة التركيب، دون ذلك ستبقى الحرب مفتوحة على مصراعيها، حتى تتلاشى الأقلية، لتغيب معها هذه المفاهيم وما انتجته من إجرام، ليس له مثلاً يحتذى في التاريخ الإنساني.
وهنا لا يسعني إلا القول، أن إدامة عمر الصراع بالتواطئ إقليمياً ودولياً سيزيد الواقع تعقيداً، وأن القوى التي تتوالد في غمار العملية الصراعية الدامية، لن تتوقف عند هذا الاتهام أو ذاك، اياً تكن الاتهامات التي تستخدم، كالمروق والإرهاب وما إلى غير ذلك.
بل لا يهمها كثيراً أن تسمى دينية أو ديموقراطية أو وطنية.. لأن الهدف الرئيسي والأساسي هو التخلص مما يعيشه السوريون، والذي يحمل كل أنواع الظلم والحيف والتهميش والتغييب في منعهم من رسم مستقبلهم، ليصبح واقعاً معاشاً كما بقية شعوب الأرض قاطبة..