إعداد: إياد مصطفى
على ما يبدو أن محاولات البعض، الذي يحاول عبثاً اقناع البشرية بعدم الخضوع أو الاستكانة لعقلية المؤامرة، قد فشل فشلاً ذريعاً.. وأن من يقود العالم وحدها التوجهات الأخلاقية برفقة أصحاب النوايا الحسنة والتنافس الشريف في بحثهم عن المنافع، مجرد ترهات لا يمكننا تصديقها، أياً يقف خلف هذه المقولات، حتى لو كان نبياً أو نذيرا..
بعضهم يرى القضية من منطق ديمومة الصراع الفكري الذي سيظل قائماً بين من يرون حقيقة وجود حكومة عالمية خفية، ومن يرفضون الأمر ويعتبرونه ضرباً من ضروب الأسطورة.
توماس فريدمان وحارس السياسة الأميركية الخارجية في صحيفة “نيويورك تايمز”، قبل بضعة أعوام قالها علناً: “إن اليد الخفية للسوق لن يكون في إمكانها العمل إطلاقاً من دون قبضة خفية فـ”ماكدونالدز” لا يمكنها أن تحقق الازدهار من دون وجود “ماكدونيل دوغلاس” مصمم المقاتلة “أف-15”.
والقبضة الخفية التي تبقي على العالم مكاناً آمناً لوادي سيليكون التكنولوجي اسمها الجيش الأميركي، والقوة الجوية والأسطول ومشاة البحرية والقوة الأميركية الحقيقية، غالباً توصف بأنها اقتصادية، تلك القوة المتاحة لدولة تسيطر على أكثر من ثلث مصادر الثروة في العالم، وتوجد بها شركات عملاقة مثل “مايكروسوفت”، و”موتورولا”، و”فورد”، و”كوكاكولا”، تزيد في قوتها على الحكومات، وهذه رؤية مألوفة، وليست سائدة في الحركة المناهضة للعولمة دون غيرها، ذلك أن الحكومات قد تقلص دورها ليقتصر على القيام بدور الخادم المطيع لدوائر الأعمال الكبرى.
وقد كان هذا ما كتبته، الأستاذة الجامعية والإعلامية البريطانية “نورينا هيرتز”، التي يصفها فريدمان بـ”المالية المنشقة” في لندن، وعندها أنه حتى حكومة الولايات المتحدة قد فرطت في سلطة الدولة، ودللت على صدق كلامها بما اعتبرته “الخضوع المخجل من جانب جورج بوش للشركات النفطية الكبرى”.
والثابت يقيناً أن أحداث الحادي عشر من سبتمبر قد جاءت لتؤكد فكرة توماس فريدمان عن اليد الخفية، والتي تعمل اليوم تحت غطاء العولمة، ربما بأكثر من أي وقت مضى، فالحروب الاقتصادية الأميركية يساندها في الوقت الحالي ذلك التهديد الدائم بالهجوم العسكري على أية دولة دون الحاجة إلى غطاء قانوني.
ولقد جاء التأكيد الواضح على ذلك من جانب قيادة الفضاء الأميركي في وثيقة عامة مثيرة للاهتمام بعنوان “رؤية لعام 2020″، وفيها أنه “من الناحية التاريخية تطورت القوات المسلحة لتوفير حماية للمصالح والاستثمارات، سواء عسكرية أو اقتصادية، فخلال فترة نشوء التجارة أنشأت الدول الأساطيل لحماية وتدعيم مصالحها التجارية، وخلال التوسع غرباً في اتجاه الولايات المتحدة القارية، كانت إقامة المراكز العسكرية وسلاح الفرسان لحماية القطارات والمستوطنات والخطوط الحديدية لجماعة الوايت أنجلو ساكسون بروتستانت”.
تعلمنا الفلسفة أن الحقيقة وضع متوسط بين طرفين، ولهذا فإن أصحاب نظرية التاريخ المتآمر، ومعهم أنصار نظرية الهيمنة العذراء، كلاهما يثير الغبار والدخان من حول الواقع الحالي.
وفي كل الأحوال فإن العلاقات الدولية ليست سوى صراعات وقوى ومصالح تمارس فعلها بالنار، وتندفع إلى سباق الحياة باقصى سرعة يسمح بها العقل والعلم، وهي تجرب فرض إرادتها بكل الوسائل علناً وسراً، إقناعاً وقسراً، حرباً مكشوفة وتربصاً في الظلام، ومن هنا فإن التاريخ يصعب – جزافاً – اعتباره مؤامرة مستمرة، لكنه في اللحظة نفسها يصعب – إطلاقاً – اعتباره فردوساً للأطهار، وأي موقف حدي يثير الغبار.